و قال تعالى أيضاً في سورة القصص مشيراً إلى قارون المستكبر (أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ
قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً)[1]. و هذه الآية
تدلّ على أنّ كثرة الجمع أمر قرين للقوّة.
و حينئذ لو ثبت لنا بالأدلّة القطعية أن كثرة النفوس في بعض الأزمنة توجب
الضعف و الوهن و الفقر و الجهل و المرض و البطالة، فلا تكون أمراً يفتخر به، بل
تكون سبباً للتواني و الفشل. و بذلك تخرج عن شمول تلك الآيات و الروايات؛ لأنّها
وردت في ظروف أخرى ناظرة إلى أناس آخرين. و أنت ترى في العصر الحاضر أنّه لا يفتخر
إنسان على غيره بأنّي أكثر منك مالًا و ولداً، نعم يمكن أن يفتخر بماله، و لكن لا
يفتخر بكثرة أولاده.
و ممّا يشهد على ما ذكرناه قوله تعالى في سورة الأنفال مخاطباً للمسلمين (وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي
الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَ أَيَّدَكُمْ
بِنَصْرِهِ)[2]. فكان
المسلمون قليلينَ بحيث يمكن أن يتخطّفهم الناس، فوجب عليهم في هذه الظروف الاهتمام
بكثرة الأفراد و تكثير الأولاد، حتّى لا يقدر أعداؤهم على السيطرة عليهم.
[أدلة القائلين بتحديد النسل]
أمّا لو فرض زمان تكون الكثرة فيه سبباً للاستضعاف فلا شكّ أنّ الحكم يتغيّر.
كما هو الأمر في زماننا فقد صارت كثرة النفوس سبباً للضعف و الفتور و التخلّف،
و تشهد لذلك عدّة مؤشّرات:
1- كان كثرة النفوس في السابق سبباً للتقدّم و الغلبة