فالأول من قبيل النقود الاعتبارية التي لم تكن قبل، و الثاني من قبيل اعتبار
المالية لبعض الأعيان النجسة هذا الزمان و لم تكن لها مالية في الماضي كالدم.
2- الحاجة إلى بحث هذه المسائل:
و توضيح ذلك يكون ببيان أمرين:
الأمر الأوّل- أنّ من خصائص عالم المادة التغيّر الدائم و التحوّل المستمر
، بل التغيّر- باعتقاد كثير من الفلاسفة و الحكماء- من اللوازم الذاتية للمادة
لا ينفكّ عنها بحال من الأحوال، و بما أنّ الإنسان يعيش في هذا العالم المادي، فمن
الطبيعي أن يطال هذا التغيّر كلّ مظاهر الحياة الإنسانية على صعيد شكل و نمط و
وسائل المعيشة، و كذلك على صعيد العلاقات الجديدة سواء كانت بين الأفراد أو ما بين
المجتمعات و الدول. و هذا ما جعل الفقه يواجه ظاهرتين جديدتين:
الأولى: حدوث موضوعات جديدة للأحكام الشرعية لم تكن من قبل، كما هو الحال
بالنسبة إلى الأوراق النقدية، فإنّه أمر حادث نسبياً، حيث كان المتعارف في سابق
الأيام هو التعامل بالدينار و الدرهم- أي الذهب و الفضة المسكوكين- و لكن تطوّر
الحياة و اتساع حاجات البشر أوجب اعتبار الأوراق النقدية.
الثانية: ثمة موضوعات كانت موجودة في الماضي إلّا أنّه طرأ عليها من الأحوال و
الظروف ما غيّر من قيودها، كما يلاحظ ذلك في الأعيان النجسة التي لم تكن لها قيمة
و مالية في السابق، غير أنّ التطوّر الذي حدث في العلوم الطبية و اكتشاف منافع
كبيرة لبعض الأعيان النجسة كالدم و أجزاء الميتة أوجب أن يكون لها مالية في نظر العقلاء،
فإنّه يُبذل اليوم بإزائها المال الكثير.
و عليه، فإنّ الفقيه لا بدّ له من تبيين الحكم الشرعي في كلتا الحالتين، و لا
يقتصر في البحث و الفتيا على خصوص ما هو متعارف من المسائل المسطورة