الآية الكريمة تتحدث عن هؤلاء بشدّة و تقول: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ
الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ،
أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ.
فاللّه سبحانه و عباده الصالحون و ملائكته المقربون يلعنون من يكتم الحق، و
بعبارة اخرى، كل أنصار الحق يغضبون على من كتم الحق. و أية خيانة للعالم أكبر من
محاولة العلماء كتمان آيات اللّه المودعة عندهم من أجل مصالحهم الشخصية و لتضليل
النّاس.
و عبارة مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي
الْكِتابِ إشارة إلى أن هؤلاء الأفراد يصادرون في الواقع
جهود الأنبياء و تضحيات أولياء اللّه الصالحين، و هو ذنب عظيم.
و الفعل (يلعن) تكرر في الآية للتأكيد، و استعمل بصيغة المضارع لبيان استمرار
اللعن، و من هنا فإنّ لعنة اللّه و لعنة اللاعنين تلاحق هؤلاء الكاتمين لآيات
اللّه باستمرار، و ذلك أقسى صور العقاب.
«البينات» و «الهدى» لهما معنى واسع
يشمل كل وسائل الهداية و التوعية و الإيقاظ و إنقاذ النّاس.
و لما كان القرآن كتاب هداية، فإنه لا يغلق منافذ الأمل و التوبة أمام
الأفراد، و لا يقطع أملهم في العودة مهما ارتكسوا في الذبوب، لذلك تبين الآية
التالية طريق النجاة من هذا الذنب الكبير و تقول: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا
فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
عبارة أَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ جاءت بعد عبارة
فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ للدلالة على
كثرة محبة اللّه، و سبق عطفه على عباده التائبين. فيقول سبحانه لهؤلاء: إن تبتم،
أي عدتم إلى نشر الحقائق، فأنا أعود أيضا إلى إغداق الرحمة و المواهب