التمحور و الانغماس في الذاتية يؤدي إلى أن يحتكر الإنسان الحقّ لنفسه، و
يعتبر الآخرين على باطل، و يسعى إلى أن يجرهم الى معتقداته الآية الاولى تتحدث عن
مجموعة من أهل الكتاب يحملون مثل هذه النظرة الضيقة، و نقلت عنهم القول: وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا.
فيردّ عليهم القرآن مؤكدا أن الأديان المحرّفة لا تستطيع إطلاقا أن تهدي
الإنسان قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً
وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
التدين الخالص هو اتباع الخط التوحيدي الخالص غير المشوب بالشرك.
و رعاية هذا الأساس أهم معيار للتمييز بين الأديان الصحيحة و الأديان
المنحرفة.
يعلمنا الإسلام أن لا نفرق بين الرسل، و أن نحترم رسالاتهم، لأن المبادئ
الأساسية للأديان الحقّة واحدة، موسى و عيسى كانا أيضا من أتباع ملة إبراهيم ...
أي من أتباع الدين التوحيدي الخالص من الشرك، و إن حرّف المغرضون من أتباعهما
ما جاءا به، و جعلوه مشوبا بالشرك. و (كلامنا هذا لا يتنافى طبعا مع إيماننا بأن
البشرية يجب أن تتبع آخر الأديان السماوية أي الإسلام).
الآية التالية تأمر المسلمين أن قُولُوا
آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَ
إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى وَ
عِيسى وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ
مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
لا يجوز أن ننطلق من محور الذاتية في الحكم على هذا النّبي أو ذاك، بل يجب أن
ننظر إلى الأنبياء بمنظار رسالي، و نعتبرهم جميعا رسل ربّ العالمين و معلّمي
البشرية، قد أدّى كل منهم دوره في مرحلة تاريخية معينة، و كان هدفهم واحدا، و هو
هداية النّاس في ظل التوحيد الخالص و الحق و العدالة.
ثم يضيف القرآن قائلا: فَإِنْ
آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا
فَإِنَّما