نهى اللّه سبحانه بني إسرائيل عن الفساد بفعل لا تَعْثَوْا، من العثّي و
هو شدة الفساد، و تشبه في معناها «العيث»، إلّا أنّ العيث أكثر ما يقال في الفساد
الذي يدرك حسا، و العثيّ فيما يدرك حكما [1]. و بهذا يكون معنى لا
تَعْثَوْا هو معنى «المفسدين» و لكنه مع تأكيد أشد.
و قد تشير عبارة النهي بأجمعها إلى حقيقة بدء الفساد من نقطة صغيرة، و اتساعها
و اشتدادها بعد ذلك. أي تبدأ بالفساد و تنتهي بالعثيّ الأرض، و هو شدة الفساد و
اتساعه.
2- المعاجز في حياة بني إسرائيل
قد تثير مسألة انفجار الماء من الحجر و ما شابهها من المعاجز في حياة الأنبياء
تساؤلات في ذهن أولئك الذين لم يستوعبوا منطق الإعجاز. و لا نريد هنا أن نتعرض إلى
مسألة الإعجاز، لأنها تحتاج إلى بحث مستقل. و نكتفي بالقول: إن المعجزة ليست أمرا
محالا، و ليست استثناء في قانون العليّة. بل إنها خرق لما ألفناه و اعتدنا عليه،
أو بعبارة اخرى، خرق لما ألفناه في حياتنا اليوميّة من ارتباط بين العلة و المعلول.
و طبيعي أن تغيير مسير العلل و المعلولات ليس بعسير على اللّه سبحانه، و لو
خلق اللّه هذه العلل و المعلولات منذ البدء بشكل آخر غير ما هي عليه اليوم، لكان
هذا الذي نألفه اليوم خارقا للعادة.
باختصار، خالق عالم الوجود و نظام العليّة حاكم على ما خلق لا محكوم له.