كلمة «يظنّون» من مادة «ظنّ» و قد تأتي بمعنى اليقين [1]. و في هذا الموضع تعني الإيمان و اليقين
القطعي. لأن الإيمان بلقاء اللّه و الرجوع إليه، يحيي في قلب الإنسان حالة الخشوع
و الخشية و الإحساس بالمسؤولية، و هذا أحد آثار تربية الإنسان على الإيمان
بالمعاد، حيث تجعل هذه التربية الفرد مائلا دوما أمام مشهد المحكمة الكبرى، و
تدفعه إلى النهوض بالمسؤولية و إلى الحق و العدل.
و يحتمل أن يكون استعمال «الظن» في الآية للتأكيد، أي أن الإنسان لو ظنّ
بالآخرة فقط، فظنه كاف لأن يصده عن ارتكاب أي ذنب. و هو تقريع لعلماء اليهود و
تأكيد على أنهم لا يمتلكون إيمانا باليوم الآخر حتى على مستوى الظن، فلو ظنوا
بالآخرة لأحسّوا بالمسؤولية، و كفّوا عن هذه التحريفات! [2]
بحثان
1- ما هو لقاء اللّه؟
عبارة «لقاء اللّه» وردت مرارا في القرآن الكريم، و تعني بأجمعها الحضور على
مسرح القيامة. من البديهي أن المقصود بلقاء اللّه ليس هو اللقاء الحسّي، كلقاء
أفراد البشر مع بعضهم، لأن اللّه ليس بجسم، و لا يحده مكان، و لا يرى بالعين. بل
المقصود مشاهدة آثار قدرة اللّه و جزاءه و عقابه و نعمه و عذابه على ساحة القيامة،
كما ذهب إلى ذلك جمع من المفسرين.
أو إن المقصود الشهود الباطني و القلبي، لأن الإنسان يصل درجة كأنه يرى
[1]- يقول الراغب في المفردات: الظن
اسم لما يحصل عن أمارة متى قويت أدّت إلى العلم، و متى ضعفت جدا لم يتجاوز حدّ
التوهم.
[2]- المنار، ج 1، ص 302، و الميزان،
ج 1، ص 154. و تفسير روح المعاني، ج 1، ص 228. و في آيات اخرى إشارة إلى هذا
المعنى كقوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا
لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً (الكهف، 10).