و إختلف المفسّرون في الذي نادى مريم عليها السلام، فقال بعضهم: إنّه جِبرائيل
عليه السلام، و سياق الآية قرينةٌ على هذا المعنى، و قال البَعض الآخر، كالعلّامة
الطّباطبائي رحمه الله، إنّه إبنها عيسى عليه السلام، و كلمة: «من تحتها»، تناسب هذا
المعنى، لأنّه كان بين أقدامها، علاوة على أنّ أغلب الضّمائر في الآية الشّريفة،
تعود على المسيح عليه السلام، و تَتَناسب أيضاً مع كلمة «نادى»، و على كلٍّ فإنّ
مَحَطَّ نظرنا، هو الأمرُ بنذر السّكوت، فأيّاً كان المُنادي، جبرائيل عليه
السلام، أو المسيح عليه السلام، فإنّ المهم هو، أنّ ذلك النّذر، يفضله ويرجحّه
الباري تعالى، و خصوصاً أنّ ذلك الأمر، كان سائداً في وقتها، و هو من الأعمال التي
يُتقرّب بها إلى اللَّه سبحانه وتعالى، فلذلك لم يعترض على مريم عليها السلام أحد،
بالنّسبة إلى هذا العمل بالذّات.
و يوجد إحتمالٌ آخرٌ لصوم مريم عليها السلام، و هو الصّوم عن الطّعام و
الشّراب، بالإضافة لصوم السّكوت.
أمّا في الشّريعة الإسلاميّة، فإنّ صوم السّكوت حرام، لتغيّر الظّروف
المكانيّة و الزمانيّة، و قد وَرد عن الإمام علي بن الحسين السّجاد عليه السلام،
أنّه قال: «وَصَومُ الصَّمتِ حَرامٌ»[2].
وَ وَرد في نفس هذا المعنى في حديثٍ آخر، في وصايا النّبي الأكرم صلى الله
عليه و آله، إلى الإمام علي عليه السلام [3].
وَ وَرد عن الإمام الصّادق عليه السلام، أنّه قال: «وَ لا صَمْتَ يَوماً إِلَى اللّيلِ»[4].
و الطّبع، فإنّ من آداب الصّوم عندنا، هو المحافظة على اللّسان و باقي الجوارح
من الذّنوب، قال الإمام الصادق عليه السلام في هذا الصّدد: «إِنّ الصّومَ لَيسَ مِنْ الطّعامِ و الشَّرابِ وَحْدَهُ إِنَّ مَريَمَ