قانون كلّي
في ذلك، أي أن هذه الحادثة و المقارنة المذكورة في الآية الشريفة وقعت عملًا في
الواقع الخارجي، فللآية الشريفة شأن نزول خاصّ و لهذا ذكر لها موارد عديدة في شأن
نزولها و خلاصة ما ورد في شأن النزول المعروف لها هو:
إنّ العبّاس
ابن عبد المطلب و شيبة قعدا يفتخران في المسجد الحرام فقال العبّاس لشيبة:
أنا أشرف
منك، أنا عمّ رسول اللَّه و وصي أبيه و ساقي الحجيج [1].
فقال شيبة:
أنا أشرف منك أنا أمين اللَّه على بيته و خازنه [2]،
أ فلا ائتمنك كما ائتمنني؟
فاطلع عليهما
عليّ ابن أبي طالب عليه السلام فأخبراه بما قالا فقال علي: أنا أشرف منكما، أنا
أوّل من آمن و هاجر «و عليه فإنه لا افتخار في سقاية الحاج أو عمارة المسجد
الحرام» بل الفخر بالإيمان باللَّه و الهجرة في خطِّ الإيمان به و الجهاد في
سبيله.
فلما سمع
العبّاس ذلك انطلق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و ذكر له ما جرى بينه و
بين الإمام علي عليه السلام و شكاه عنده على أساس أن الإمام علي عليه السلام قد
ادحض حجّته و أهمل مقامه و منزلته.
فأرسل النبي الأكرم
صلى الله عليه و آله شخصاً في طلب الإمام علي فعند ما حضر بين يديه سأله النبي عن
الواقعة و قال له: ما ذا قلت لعمّك العبّاس حتّى أغضبته؟
فقال عليّ
عليه السلام: لم أقل سوى الحقّ و لكن عمّي غضب من كلام الحقّ، ثمّ بيّن لرسول
[1] المراد من «سقاية الحاج» هو إيصال الماء إلى
الحجاج في منى و عرفات و المشعر الحرام حيث لا يوجد في هذه الأمكنة الثلاثة ماء
إطلاقاً، و حتّى في هذا الزمان يتم إيصال الماء إلى هذه المناطق بواسطة أنابيب من
مناطق اخرى، و كان الحجاج في قديم الزمان مضطرين لحمل الماء معهم في أيّام الحجّ
إلى هذه الأماكن، و لهذا قيل عن اليوم الثامن من ذي الحجّة «يوم التروية»، و على
أيّة حال فقد كان العبّاس في ذلك الزمان مسئولًا عن إيصال الماء إلى الحجيج، و
بديهي أن هذه المسئولية كانت مهمة جدّاً في ذلك الوقت لأن أهم حاجة للحجاج في تلك
الأماكن هو الماء.
[2] نظراً إلى أهمية «المسجد الحرام» و الذي
يعبّر عنه القرآن الكريم أنه أوّل بيت وضع للناس و يعدّ أقدس مكان على ظهر الأرض
بحيث ورد في الروايات أن ركعة واحدة عنده تعادل مليون ركعة في مناطق اخرى، فإنّ
استلام مفاتيح هذا البيت المقدّس و «عمارة المسجد الحرام» لها أهمية خاصّة و مكانة
مميزة حيث تكون لصاحب هذه المكانة مسئولية حفظ و حراسة الكعبة المشرّفة و ترميم
المسجد الحرام و رعايته.