ما
بعث المتاخّرين- نوّر اللّه مراقدهم- على العدول عمّا كان عليه المتقدّمون- جعل
اللّه الجنان مفامدهم- و وضع ذلك الاصطلاح الجديد هو أنّه لمّا طالت الأزمنة بين
المتأخّر و الصدر السالف، و آل الحال إلى اندراس بعض كتب الاصول المعتمدة؛ لغلظ
حكّام الجور و الضلال، و الخوف و الوهم من إظهارها و انتساخها، و انضمّ إلى ذلك
اجتماع ما وصل إليهم من كتب الاصول في الاصول المشهورة في هذا الزمان فالتبست
الأحاديث المأخوذة من الاصول المعتمدة بالمأخوذة من غيرها، و اشتبهت المتكرّرة في
كتب الاصول بغيرها، و خفي عليهم كثير من تلك الامور التي كانت سبب وثوق القدماء
بكثير من الأحاديث، و لم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه ممّا لا
يركن إليه فاحتاجوا إلى قانون تتميّز به الأحاديث المعتبرة من غيرها، و الوثوق بها
عمّا سواها، فقرّروا لنا ذلك الاصطلاح الجديد و المنهج القويم السديد، و قرّبوا
إلينا البعيد، و وصفوا الأحاديث الواردة في كتبهم الاستدلاليّة بما اقتضاه ذلك
الاصطلاح من الصحّة و الحسن و التوثيق. كذا وجّهه بعض الأعلام الفضلاء الكرام[1].
و
لا يخفي أنّ هذا كلّه دعوى مظنونة، محتملة مطعونة، غير معلومة الثبوت، مرهونة، و
مناقشتها ظاهرة قويّة باهرة.
و
اعلم أنّ الامور التي كانت تقتضي اعتماد القدماء النحارير الكرماء عليها في إطلاق
الصحيح على الحديث، و سبب وثوقهم به خمسة:
أحدها:
وروده في كثير من الاصول الأربعمائة المشهورة المتداولة المبرورة
[1] . هو الشيخ البهائي في مشرق الشمسين ضمن حبل
المتين: 269- 270.