المولع بافتضاض أبكار الأفكار،
و النحرير المتبحّر الذي لم يظهر نظيره في الأعصار ...
صارت
تصانيفه فائقة على غيرها، حاوية لمطالب مختصّة بها، مع طول الذيل المبني على
التصرّفات الدقيقة، و التأمّلات الرشيقة، و التتبّعات الوافرة، و التفحّصات
المتكثّرة ...
و
منشأ هذه التوفيقات الربانيّة و العروج إلى تلك المراتب العالية أمور:
أحدها:-
و هو عمدتها- ما جرى عليه معدن العلم و التقى، و منبع الفضل و الهدى، جدّنا
العلّامة- رفع اللّه تعالى مقامه- من توديعه عند اللّه تعالى و إيكال أمره إلى
مشيّة اللّه سبحانه كما أنّه يحكى عنه كثيرا أنّه أودعته عند اللّه سبحانه كما
أودعني والدي عند اللّه سبحانه. و كم لهذا الأمر من تفويض الأمور إلى مقدّرها و
إيكالها إلى منشأها تأثيرات عجيبة و ثمرات غريبة مما رأيناها و سمعناها.
و
ثانيها: ترك متابعة نفسه و هواه، و شدّة احتياطه في الأمور و تقواه، فإنّه أسّ
أساس التحصيل، و عماد بنيان التكميل ... و قال: «إنّه لو أرسل إليّ جميع ما في
العالم لما خالفت اللّه سبحانه». و على هذا قد استقرّت طريقته حتّى انقضت مدّته و
وصل إلى رحمة اللّه الواسعة و فاز بالنعم الدائمة.
ثالثها:
اشتغاله بالتحصيل في آناء الملوين بهمّته العليا، و لم يكن مصروفا عن الاشتغال و
إن عرضت عليه الموانع، و لا معرضا عنه و إن تواترت عليه الروادع، فكان رجلا رجله
في الثرى و هامّة همّته في الثريّا»[1].