مِن فَرطِ فَرَحِهِ: «كانَ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ يَدانِ يَمينانِ، فَقُطِعَت إحداهُما يَومَ صِفّينَ- يَعني عَمّارَ بنَ ياسِرٍ- وقُطِعَتِ الاخرىَ اليَومَ، وهُوَ مالِكٌ الأَشتَرُ.
وكُلَّما كانَ يَذكُرُهُ الإِمامُ عليه السلام، يَثقُلُ عَلَيهِ الغَمُّ وَالحُزنُ، ويَتَحَسَّرُ عَلى فَقدِهِ. و حينَ ضاقَ ذَرعاً مِنَ التَّحَرُّكاتِ الجائِرَةِ لِأَهلِ الشّامِ، وتَأَلَّمَ لِعَدَمِ سِماعِ جُندِهِ كَلامَهُ، وتَأَوَّهَ عَلى قُعودِهِم وخِذلانِهِم لَهُ في اجتِثاثِ جُذورِ الفِتنَةِ، قالَ رَجُلٌ:
استَبانَ فَقدُ الأَشتَرِ عَلى أهلِ العِراقِ. لَو كانَ حَيّاً لَقَلَّ اللَّغَطُ، ولَعَلِمَ كُلُّ امرِىً ما يَقولُ.
نَطَقَ هذَا الرَّجُلُ حَقّاً، فَلَم يَكُن أحَدٌ في جَيشِ الإِمامِ عليه السلام مِثلَ مالِكٍ.
حِكيَ أنَّ مالِكاً الأَشتَرَ كانَ مُجتازاً بِسوقِ الكوفَةِ وعَلَيهِ قَميصُ خامٍ وعِمامَةٌ مِنهُ، فَرَآهُ بَعضُ السّوقَةِ[1] فَازدَرى[2] بِزِيِّهِ؛ فَرَماهُ بِبُندُقَةٍ تَهاوُناً بِهِ، فَمَضى ولَم يَلتَفِت، فَقيلَ لَهُ: وَيلَكَ! أ تَدري بِمَن رَمَيتَ؟
فَقالَ: لا.
فَقيلَ لَهُ: هذا مالِكٌ صاحِبُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام، فَارتَعَدَ الرَّجُلُ ومَضى إلَيهِ لِيَعتَذِرَ مِنهُ، فَرَآهُ وقَد دَخَلَ مَسجِداً وهُوَ قائِمٌ يُصَلّي، فَلَمَّا انفَتَلَ أكَبَّ الرَّجُلُ عَلى قَدَمَيهِ يُقَبِّلُهُما، فَقالَ: ما هذَا الأَمرُ؟!
فَقالَ: أعتَذِرُ إلَيكَ مِمّا صَنَعتُ.
فَقالَ: لا بَأسَ عَلَيكَ، فَوَاللَّهِ ما دَخَلتُ المَسجِدَ إلّالَأَستَغفِرَنَّ لَكَ.[3]
[1]. السُّوْقة من الناس: الرَّعِيَّة( النهاية: ج 2 ص 424).
[2]. الازْدِراء: الاحتِقار والانتِقاص والعيب( النهاية: ج 2 ص 302).
[3]. تنبيه الخواطر: ج 1 ص 2.