قالَ: ياشقيقُ اقرَأ: «وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى»[1]، ثُمَّ تَرَكَني ومَضى، فَقُلتُ: إنَّ هذَا الفَتى لَمِنَ الأَبدالِ قَد تَكَلَّمَ عَلى سِرّي مَرَّتَينِ فَلَمّا نَزَلنا إلى مِنى إذا بِالفَتى قائِمٌ عَلَى البِئرِ، وبِيَدِهِ رَكوَةٌ يُريدُ أن يَستَقِيَ فَسَقَطَتِ الرَّكوَةُ مِن يَدِهِ فِي البِئرِ وأنَا أنظُرُ إلَيهِ فَرَأَيتُهُ قَد رَمَقَ السَّماءَ وسَمِعتُهُ يَقولُ:
أنتَ رَبّي إذا ظَمِئتُ إلَى الماءِ
وقُوَّتي إذا أرَدتُ الطَّعاما
اللَّهُمَّ أنتَ تَعلَمُ يا إلهي وسَيِّدي مالي سِواها فَلا تُعدمنِي إيّاها.
قالَ شقيقٌ: فَوَاللَّهِ لَقَد رَأَيتُ البِئرَ قَدِ ارتَفَعَ ماؤُها فَمَدَّ يَدَهُ وأخَذَ الرَّكوَةَ ومَلأَها ماءً، وتَوَضَّأَ وصَلّى أربَعَ رَكَعاتٍ، ثُمَّ مالَ إلى كَثيبٍ مِن رَملٍ فَجَعَلَ يَقبِضُ بِيَدِهِ ويَطرَحُهُ فِي الرَّكوَةِ ويُحَرِّكُهُ ويَشرَبُ فَأَقبَلتُ إلَيهِ وسَلَّمتُ عَلَيهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَقُلتُ:
أطعِمني مِن فَضلِ ما أنعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيكَ.
فَقالَ: يا شقيقُ لَم تَزَل نِعمَةُ اللَّهِ تَعالى عَلَينا ظاهِرَةً وباطِنَةً فَأَحسِن ظَنَّكَ بِرَبِّكَ، ثُمَّ ناوَلَنِي الرَّكوَةَ فَشَرِبتُ مِنها فَإِذا سَويقٌ وسُكَّرٌ فَوَاللَّهِ ماشَرِبتُ قَطُّ ألَذَّ مِنهُ و لاأطيَبَ مِنهُ ريحاً، فَشَبِعتُ ورَويتُ وأقَمتُ أيّاماً لا أشتَهي طَعاماً و لاشَراباً، ثُمَّ لَم أرَهُ حَتّى دَخَلنا مَكَّةَ فَرَأَيتُهُ لَيلَةً في جَنبِ قُبَّةِ الشَّرابِ في نِصفِ اللَّيلِ يُصَلّي بِخُشوعٍ وأنَينٍ وبُكاءٍ، فَلَم يَزَل كَذلِكَ حَتّى ذَهَبَ اللَّيلُ فَلَمّا رَأَى الفَجرَ جَلَسَ في مُصَلّاهُ يُسَبِّحُ، ثُمَّ قامَ فَصَلّى فَلَمّا سَلَّمَ مِن صَلاةِ الصُّبحِ طافَ بِالبَيتِ سَبعاً، وخَرَجَ فَتَبِعتُهُ فَإِذاً لَهُ حاشِيَةٌ
[1]. طه: 20.