انتَهَكَها، فَلَم يَعلَم إلَّاوَ المَرأَةُ قائِمَةٌ عَلى رَأسِهِ، فَرَفَعَ رَأسَهُ إلَيها فَقالَ: إنسِيَّةٌ أم جِنِّيَّةٌ؟
فَقالَت: إنسِيَّةٌ، فَلَم يُكَلِّمها كَلِمَةً حَتّى جَلَسَ مِنها مَجلِسَ الرَّجُلِ مِن أهلِهِ، فَلَمّا أن هَمَّ بِهَا اضطَرَبَت، فَقالَ لَها: ما لَكِ تَضطَرِبينَ؟
فَقالَت: أفرَقُ مِن هذا؟ وأومَأَت بِيَدِها إلَى السَّماءِ.
قالَ: فَصَنَعتِ مِن هذا شَيئاً.
قالَت: لا وعِزَّتِهِ.
قالَ: فَأَنتِ تَفرَقينَ مِنهُ هذَا الفَرَقَ ولَم تَصنَعي مِن هذا شَيئاً، وإنَّما أستَكرِهُكِ استِكراهاً، فَأَنَا وَاللَّهِ أولى بِهذَا الفَرَقِ وَالخَوفِ وأحَقُّ مِنكِ، قالَ فَقامَ ولَم يُحدِث شَيئاً، ورَجَعَ إلى أهلِهِ ولَيسَت لَهُ هِمَّةٌ إلَّاالتَّوبَةُ وَالمُراجَعَةُ، فَبَينا هُوَ يَمشي إذ صادَفَهُ راهِبٌ يَمشي فِي الطَّريقِ فَحَمِيَت عَلَيهِمَا الشَّمسُ، فَقالَ الرّاهِبُ لِلشّابِّ:
ادعُ اللَّهَ يُظِلَّنا بِغَمامَةٍ، فَقَد حَمِيَت عَلَينَا الشَّمسُ.
فَقالَ الشّابُّ: ما أعلَمُ أنَّ لي عِندَ رَبّي حَسَنَةً فَأَتَجاسَرَ عَلى أن أسأَ لَهُ شَيئاً!
قالَ: فَأَدعو أنَا وتُؤَمِّنُ أنتَ.
قالَ: نَعَم، فَأَقبَلَ الرّاهِبُ يَدعو وَالشّابُّ يُؤَمِّنُ، فَما كانَ بِأَسرَعَ مِن أن أظَلَّتهُما غَمامَةٌ فَمَشَيا تَحتَها مَلِيّاً مِنَ النَّهارِ، ثُمَّ تَفَرَّقَتِ الجَادَّةُ جَادَّتَينِ، فَأَخَذَ الشَّابُّ في واحِدَةٍ وأخَذَ الرّاهِبُ في واحِدَةٍ، فَإِذَا السَّحابَةُ مَعَ الشّابِّ!