نام کتاب : الکافی- ط دار الحدیث نویسنده : الشيخ الكليني جلد : 0 صفحه : 24
عاشها الكليني
ببغداد ، فلابدّ من إعطاء صورة واضحة للمؤثّرات السياسيّة والفكريّة التي أسهمت في
تكوين رؤية الكليني للمجتمع الجديد وتساؤلاته التي حاول الإجابة عليها في كتابه
الكافي ، فنقول :
يرجع تدهور الحياة
السياسيّة ببغداد في عصر الكليني إلى أسباب كثيرة أدّت إلى سقوط هيبة الدولة من
أعين الناس ، إليك أهمّها :
أوّلاً ـ نظام ولاية العهد :
وهو نظام سياسي
عقيم ، وخلاصته : أن يعهد الخليفة بالخلافة لمن يأتي بعده مع أخذ البيعة له من
الامّة كرهاً في حياته ، وهو بهذه الصورة يمثّل قمّة الاستبداد وإلغاء دور الامّة
وغمط الحقوق السياسيّة لجميع أفرادها.
وممّا زاد الطين
بلّة في العصر العبّاسي الثاني إعطاء ولاية العهد لثلاثة ، وهو ما فعله المتوكّل
الذي قسّم الدولة على ثلاثة من أولاده ، وهم : المنتصر ، والمعتزّ ، والمؤيّد [١] ، ممّا فسح ـ بهذا
ـ المجال أمامهم للتنافس ، ومحاولة كلّ واحد عزل الآخر من خلال جمع الأعوان
والأنصار ، بحيث أدّى ذلك في بعض الأحيان إلى معارك طاحنة كما حصل بين الأمين
والمأمون.
وهذا النظام وإن
انتهى بعد قتل المتوكّل ، إلاّ أنّ البديل كان أشدّ عقماً ؛ إذ صار أمر تعيين
الخليفة منوطاً بيد الأتراك لا بيد أهل الحلّ والعقد ، مع التزامهم بعدم خروج
السلطة عن سلالة العبّاسيّين وإن لم يكن فيهم رجل رشيد.
ثانياً ـ عبث الخلفاء العبّاسيّين ولهوهم وسوء سيرتهم :
ممّا أدّى إلى
تفاقم الأوضاع في هذا العصر انشغال الخلفاء العبّاسيّين بالعبث واللهو ، إلى حدّ
الاستهتار بارتكاب المحرّمات علناً بلا حريجة من دين أو واعظ من ضمير.
وقد عُرِفَ عبثهم
ومجونهم منذ عصرهم الأوّل ، فالمنصور العبّاسي ( ١٣٦ ـ ١٥٨ هـ ) مثلاً كان في
معاقرته الخمر يحتجب عن ندمائه ؛ صوناً لمركزه ، في حين أعلن ولده المهدي ( ١٥٨ ـ ١٦٩
هـ ) ذلك ، وأبى الاحتجاب عن الندماء بل شاركهم [٢].
[١]
تاريخ
اليعقوبي ، ج ٢ ، ص ٤٨٧ ؛ تاريخ الطبري ، ج ٩ ،
ص ١٧٦ ، في حوادث سنة ٢٣٥ ه.