112 كتابه 7 إلى معاوية
«وكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْك جَلابِيبُ مَا أَنْتَ فِيه، مِن دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا، وخَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا، دَعَتْك فَأَجَبْتَهَا، وقَادَتْك فَاتَّبَعْتَهَا، وأَمَرَتْك فَأَطَعْتَهَا، وإنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ علَى ما لا يُنْجِيك مِنْهُ مِجَنٌّ فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا الأَمْر، وخُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ، وشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِك، ولا تُمَكِّنِ الْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِك، وإلا تَفْعَلْ أُعْلِمْك مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِك، فَإِنَّك مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْك مَأْخَذَهُ، وبَلَغَ فِيك أَمَلَهُ، وجَرَى مِنْك مَجْرَى الرُّوحِ والدَّمِ.
ومَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ، ووُلاةَ أَمْرِ الأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِقٍ، ولا شَرَفٍ بَاسِقٍ، ونَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ، وأُحَذِّرُك أَنْ تَكُونَ مُتَمَادِياً فِي غِرَّةِ الأُمْنِيَّةِ مُخْتَلِفَ الْعَلانِيَةِ والسَّرِيرَةِ، وقَدْ دَعَوْتَ إلى الْحَرْبِ، فَدَعِ النَّاسَ جَانِباً، واخْرُجْ إلَيَّ، وأَعْفِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ، لِتَعْلَمَ أَيُّنَا الْمَرِينُ علَى قَلْبِهِ، والْمُغَطَّى علَى بَصَرِهِ، فَأَنَا أَبُو حَسَنٍ قَاتِلُ جَدِّك وأَخِيك وخَالِك شَدْخاً يَوْمَ بَدْرٍ، وذَلِك السَّيْفُ مَعِي، وبِذَلِك الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي، مَا اسْتَبْدَلْتُ دِيناً، ولا اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً، وإِنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ، ودَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ، وزَعَمْتَ أَنَّك جِئْتَ ثَائِراً بِدَمِ عُثْمَانَ، ولَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ، فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاك إِنْ كُنْتَ طَالِباً، فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُك تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إذا عَضَّتْك ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالأَثْقَالِ، وكَأَنِّي بِجَمَاعَتِك تَدْعُونِي جَزَعاً مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ، والْقَضَاءِ الْوَاقِعِ، ومَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ إلَى كِتَاب اللَّه، وهِي كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ، أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ.
[1]
[1]. نهج البلاغة: الكتاب 10 و راجع: وقعة صفِّين: ص 59؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 15 ص 76، العقد الفريد: ج 4 ص 322، تاريخ مدينة دمشق: ج 56 ص 63.