لا شكّ في أنّ معنى صانع
العالم الإله الحقّ البديهيّ الوجود هو الخالق الواحد لجميع ما يغايره من
الموجودات المحقّقة الوجود بلا واسطة كان أو بالواسطة؛ لأنّ ما تشهد[3] عليه الفطرة
الإنسانيّة وبديهة العقل هو أنّ في الوجود شيئاً واحداً مبدءاً وصانعاً[4] لجميع ما
سواه من الموجودات المحقّقة في أحد الأزمنة المعبّر عنه بالعالم، فالبديهة حاكمة
بأنّ العالم- أي جميع ما سوى المبدأ الواحد الإله الحقّ المركوز في الأذهان
والطباع- مصنوعٌ ومخلوق لذلك المبدأ الواحد المركوز فيها، وذلك الواحد هو الصانع
والمبدأ الأوّل للكلّ، فظهر أنّ وحدة صانع العالم كوجوده بديهيّ، بل وحدته مأخوذ
في هذا المفهوم البديهيّ وجزئه، والمنبّهات السالفة تنبيهات على وجود هذا المعنى،
وهذا هو المركوز في فطرة الناس على الإجمال؛ فإنّ كلّ أحد يقول بلسانه بأيّ عبارة
كان: إنّه تعالى خالق الأشياء كلّها، فذلك أيضاً ممّا لا يحتاج إلى دليل، وكلّ ما يقال
في بيانه- كدليل التمانع ونحوه من جملته ما نقلناه سالفاً عن بعض الفضلاء-
منبّهات، وإنّما المحوج إلى البرهان وحدة الواجب بالذات كوجوده؛ لأنّ وحدة الصانع
لا يوجب وحدة الواجب؛ لجواز تعدّد الثاني مع وحدة الأوّل، كما أنّ