ليرى المدينة واجمة ، موحشة من أهله
وذويه ، رجالات أهل البيت عليهمالسلام
، والناس كذلك واجمون ، بعد أن رأوا ركب أهل البيت يرجع ليس فيهم إلاّ علي بن
الحسين عليهالسلام ، وليس معه ألاّ
أطفال ونساء!! أما الرجال فقد ذبحوا على يد العصبة الاموية!؟
وإذا لم
يتورّع آل اُمية من إراقة دم الحسين سبط رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
، هكذا ، وفي وضح النهار ، وهو من هو! فمن سوف يأمن بغيهم وسطوتهم!؟
إنّ الإمام السجاد عليهالسلام ، وهو الوارث الشرعي لدماء كلّ
المقتولين ، الشهداء الذين ذبحوا في كربلاء ، وهو الشاهد الوحيد على كلّ ما جرى في
تلك الواقعة الرهيبة ، لابدّ أن عين الرقابة تلاحقه ، وتتربّص به ، وتنظر الى
تصرفاته بريبة واتهام.
والناس ـ على
عادتهم في الابتعاد والتخوّف من مواضع التهمة ، ومواقع الخطر ـ قد تركوا علي بن
الحسين ، وابتعدوا عنه ، حتى من كان يعلن الحبّ لأهل البيت عليهمالسلام قبل كربلاء ، لم يكد يفصح عن ودّه بعد
كربلاء.
وقد عبّر الإمام السجّاد عليهالسلام عن ذلك بقوله : « ما بمكة والمدينة
عشرون رجلا يحبّنا » [١].
وإذا كان عدد الملتزمين بالولاء الصادق
لأهل البيت ، في عاصمة الإسلام قليلا الى هذا الحدّ ، فكيف بالبلدان القاصية عن
مركز وجود أهل البيت عليهمالسلام؟!
وقد رجع الإمام السجّاد عليهالسلام
حاملا معه أعباءا ثقالا :
فأعباء
كربلاء ، بمآسيها ، وذكرياتها ، وأتعابها ،
وجروحها ، والأثقل من كلّ ذلك ( أهدفها ) ونتائجها ، فقد هبط المدينة وهو الوحيد
الباقي من رجال تلك المعركة ،
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ، لابن
أبي الحديد ( ٤ : ١٤٠ ). ولاحظ الغارات للثقفي (ص ٥٧٣) وبحار الأنوار ( ٤٦ / ١٤٣
).