إنّ البطولة التي أبداها الإمام السجاد عليهالسلام بعد كربلاء ، وهو في أسر الإعداء ، وفي
الكوفة في مجلس أميرها ، وفي الشام في مجلس ملكها ، لا تقلّ هذه البطولة أهميّة ـ
من الناحية السياسية ـ عن بطولة الميدان ، وعلى الأقلّ : لا يقف تلك المواقف
البطولية من هالته المصارع الدامية في كربلاء ، أو فجعته التضحيات الجسيمة التي
قدّمت أمامه ، ولا يصدر مثل تلك البطولات ممّن فضّل السلامة!
نعم ، لا يمكن أن يصدر مثل ذلك إلاّ من
صاحب قلب جسور ، صلب يتحمّل كلّ الآلام ، ويتصدى لتحقيق كلّ الآمال ، التي من
أجلها حضر في ميدان كربلاء من حضر ، وناضل من ناضل ، واستشهد من استشهد ، والآن
يقف ـ ليؤدّي دورا آخر ـ من بقي حيّا من أصحاب كربلاء ، ولو في الأسر!
إن الدور الذي أدّاه الإمام السجاد عليهالسلام ، بلسانه الذي أفصح عن الحق ببلاغة
معجزة ، فأتم الحجة على الجميع ، بكل وضوح ، وكشف عن تزوير الحكّام الظالمين ، بكل
جلاء ، وأزاح الستار عن فسادهم وجورهم وانحرافهم عن الإسلام ، إن هذا الدور كان
أنفذ على نظام الحكم الفاسد ، من أثر السيف واحد ، يجرّده الإمام في وجه الظلمة ،
إذ لم يجد معينا في تلك الظروف الصعبة!.
لكنّه كان الشاهد الوحيد ، الذي حضر
معركة كربلاء بجميع مشاهدها ، من بدايتها ، بمقدّماتها وأحداثها وملابساتها وما
تعقّبها ، وهو المصدّق الأمين في كل ما يرويه ويحكيه عنها.
فكان وجوده استمرارا عينيّا لها ،
وناطقا رسميّا عنها.
مع أن وجوده ، وهو أفضل مستودع جامع للعلوم
الإلهية بكلّ فروع : العقيدة ، والشريعة ، والأخلاق ، والعرفان ، بل المثال الكامل
للإسلام في تصرفاته وسيرته وسنته ، والناطق عن القرآن المفسّر الحيّ لآياته ، إن
وجوده ـ حيّا ـ كان أنفع للإسلام وانجع للمسلمين في ذلك الفراغ الهائل ، والجفاف
القاتل ، في المجتمع الإسلامي.
كان وجوده أقضّ لمضاجع أعداء الإسلام من
ألف سيف وسيف ، لأن الإسلام إنّما