قد تحمّل أكبر الإعباء ، في هذه المحنة
، إذ عايش اسبابها ، وعاصر أحداثها ، بل باشر جارحها وآلامها ، فكان عليه ان يؤدّي
رسالتها ، لأنّه شاهد صدق من أهلها ، بل الوحيد الذي ملك أزمّة أسرارها ، ولابدّ
أن يمثل أفضل الأدوار التي لم يبق لها ممثّل غيره ، ولم تبق لها صورة في أي منظار
، غير ما عنده!
وإذا عرفنا
بأن الإمام زين العابدين عليهالسلام
هو أوثق من يروي حديث كربلاء ، فهو أصدق الناقلين له ، وخير المعبّرين عنه بصدق.
وأما أهداف
شهداء كربلاء التي من أجلها صنعت ، فلا بدّ لها أن تستمرّ ، ولا تنقطع عن الحيوية
، في ضمير الناس ووجدانهم ، حتى تستنفد أغراضها.
وبينما الحكّام التائهون لا يعبأون
ببكاء الناس ، فإن الإمام زين العابدين عليهالسلام
اتّخذ من البكاء عادة ، بل اعتمدها عبادة ، فقد كانت ـ وفي تلك الفترة بالذات ـ
وسيلة هامّة لأداء المهمّة الإلهية التي حمل الإمام عليهالسلام
أعباءها.
والناس ، لمّا رأوا الإمام زين العابدين
عليهالسلام يذرف الدموع
ليل نهار ، لا يفتأ يذكر الحسين الشهيد ومصائبه ، فهم :
بين من يدرك : لماذا ذلك البكاء والحزن
، والدمع الذارف المنهمر ، والحزن الدائب المستمر؟ وعلى من يبكي الإمام عليهالسلام؟
فكان ذلك سببا لاستمرار الذكرى في
الأذهان ، وحياتها على الخواطر ، وبقاء الأهداف حيّة نابضة ، في الضمائر ووجدان
التاريخ ، وتكدّس النقمة والنفرة من القتلة الظلمة.
وبين من يعرف الإمام زين العابدين بأنه
الرجل الفقيه ، الزاهد في الدنيا ، الصبور على مكارهها ، فإنه لم يبك بهذا الشكل ،
من أجل أذى يلحقه ، أو قتل أحد ، أو موت آخر ، فإن هذه الامور هي مما تعوّد عليها
البشر ـ على طول تاريخ البشرية ـ بل هي سنّة الحياة.