إن كان الإصلاح
من أبرز ما يقصده الأنبياء والأئمة عليهمالسلام
، لأنّ مهمتهم إنّما جعلت في الأرض لدفع الفساد عنها بهداية الخلق الى ما هو صالح
لهم ، وقطع دابر المفسدين.
فإن كان هذا هو الحق : فإن الإمام زين
العابدين عليهالسلام لم يتخلّ عن
موقعه الإلهي ، كقائد للأمة الإسلامية ، ومصلح للمجتمع الإسلاميّ ، وقد تبلور في
ساحة العمل الأجتماعي ، في كل زواياها وأطرافها ، وأبرزها المطالبة بإصلاح جهاز
الحكم.
أنّ أقصى ما يريد أن يبعده المؤرخون
المحدثون عن حياة الإمام زين العابدين هو العمل السياسي ، والتعرّض للجهاز الحاكم
، والتطلّع الى إصلاح الدولة ، فيحاولون الإيحاء ـ بعبارات شتّى ـ أنّ الإمام عليهالسلام لم يكن سياسيّا ، وكان بعيدا عن
التورّط في ما يمسّ قضايا السياسة من قريب أو بعيد ، وأنه انزوى متعبّدا بالصلاة
والدعاء والاعتكاف!
ومع اعتقادنا
أنّ مزاولات الإمام الدينيّة ـ كلّها من صميم العمل السياسي ، وخصوصا في عصره ، إذ
لم يسمع نغم الفصل بين السياسة والدين ، بعد!
فمع ذلك : نجد في طيّات حياة الإمام زين
العابدين عليهالسلام عيّنات
واضحة ، من التدخّلات السياسيّة الصريحة.
فهو في ما يلي من النصوص المنقولة عنه ،
يبدو رجلا مشرفا على الساحة السياسية ، فهو يدخل في محاورات حادّة ، ويتابع مجريات
الأحداث ، ويدلي بتصريحات خطرة بشأن الأوضاع الفاسدة التي تعيشها الأمّة ، وهو
ينميها ـ بكل صراحة ـ الى فساد الدولة.
١ ـ قال عبد الله بن حسن بن
حسين :
كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
يجلس كلّ ليلة ، هو ، وعروة بن الزبير ، في مؤخّر مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم! بعد العشاء الآخرة ، فكنتُ أجلس معهما
، فتحدّثا ليلة ، فذكرا جور من جار من بني اٌمية ، والمقام معهم ، وهما لا
يستطيعان تغيير ذلك!