و هذا إبراهيم عليه
السلام خليل اللّه و صفيّه لمّا كسر الأصنام و جعلها أجذاذا، و قطعها بشدّة عزمه
أفلاذا[1]، قال بعضهم
لبعض: (حَرِّقُوهُ- بالنار- وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ)[2] أي ناصريها، و
المعنى: أنّكم لا تنصرونها إلّا بتحريقه بالنار؛ قيل: و كان الّذي أشار بتحريق
إبراهيم بالنار رجل من أكراد فارس، فخسف اللّه به الأرض فهو يتجلجل[3] فيها إلى
يوم القيامة؛ و قيل: إنّما قاله نمرود[4].
قال السدّي: فجمعوا له
الحطب حتى انّ الرجل منهم ليمرض فيوصي بكذا و كذا من ماله فيشترى به حطب، و حتى
انّ المرأة لتغزل فتشتري به حطبا حتى جمعوا من ذلك ما أرادوا، فلمّا أرادوا أن
يلقوه في النار لم يدروا كيف يلقونه، لأنّهم كانوا قد صنعوا للنار حائطا طوله
ثلاثون ذراعا، و عرضه عشرة، و ملئوه حطبا، و أجّجوا فيه النار، و لم يقدروا من
الدنوّ من النار لشدّة حرّها، فجاء إبليس فصنع لهم المنجنيق[5]، و هي أوّل منجنيق صنعت فوضعوه فيها،
ثمّ رموه، قال اللّه سبحانه: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً
عَلى إِبْراهِيمَ)[6].
قال أبو العالية: لو لم
يقل سبحانه: (وَ سَلاماً) لكانت تؤذيه من شدّة
[1] أجذاذا: أي قطعا، و كسرا.« النهاية: 1/ 250-
جذذ-».
و الأفلاذ: جمع فلذ، و الفلذ: جمع
فلذة، و هي القطعة المقطوعة طولا.« النهاية 3/ 470- فلذ-».