أقول: و إنّما أمر أمير
المؤمنين عليه السلام بإخفاء قبره عن غير أهله و ولده لأمر لا نعلم نحن سرّه، و
لتكن المحنة أشدّ، و البلاء أعظم، أو لكثرة أعدائه، و قصدهم إطفاء نوره، أو
غيرهما؛ كخوف شدّة عداوة أعدائه له في حياته، كالناكثين و القاسطين و المارقين
الّذين غرّروا بأنفسهم في حربه، و رابطوه قاصدين إطفاء نوره و استئصال شأفته، حتى
قتلوه في محرابه راكعا، و أعلنوا بسبّه على منابرهم، و قتلوا ولده و شيعته، و سبوا
نساءه و بناته و ولده، ثمّ تتبّعوا أبرار شيعته بالأذى و القتل، كما فعل زياد بن
أبيه و الحجّاج، و غيرهما، و كانوا يقتلون على التهمة و الظنّة، حتى روي أنّهم سمعوا
برجل يحدّث الناس بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام ببلاد ما وراء النهر فاجتهدوا
في قتله و قتلوه غيلة[2]، فما ظنّك
لو علموا بموضع قبره؟ و هو عليه السلام أعلم بما قال و أوصى.
و لم يكن قبره عليه
السلام مخفيّا عند ولده و أهله و أحفاده الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم، حتى
انّ الإمام المعصوم عليّ بن الحسين سيّد العابدين أتى من المدينة لزيارته و أخفى
نفسه في الحياة و زاره ليلا و رجع من فوره إلى المدينة، و كذلك الباقر عليه
السلام.
روى جابر بن عبد اللّه
الأنصاري، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال:
أتى عليّ بن الحسين عليه
السلام زائرا أمير المؤمنين فوضع خدّه على القبر،
[1] مناقب ابن شهرآشوب: 2/ 348- 350، عنه البحار:
42/ 234- 236 ح 44.