إنّي لمّا هجرت مهاجر
أبي و امّي و عمومتي و بني عمّي و مسقط رأسي و مولدي، و مصدري في الامور و موردي،
و هي البلدة المشهورة بين أرباب الطريقة بالأرض المقدّسة، و هي في الحقيقة على غير
تقوى اللّه مؤسّسة، كم سبّ أمير المؤمنين على منابرها، و اظهرت كلمة الكفر في
منائرها، و عصي ربّ العالمين في بواطنها و ظواهرها، و حملت رءوس بني النبيّ إلى
يزيدها و فاجرها؟ فهي دار الفاسقين، و قرار المنافقين، و مغرس العصابة الناصبة، و
مجمع الطائفة الكاذبة، أعني البلدة المشهورة بدمشق، معدن الفجور و الغرور و الفسق،
و لمّا منّ اللّه بتوفيق الخروج منها، و تسهيل الطريق بالبعد عنها، و فارقتها غير
آسف على حضرتها و نصرتها، و لا نادم على مفارقة جهتها و ربوتها، أرى كلّ وارد من
موارد يزيدها ثورا، و كلّ ملازم لباب يزيدها من المعدلين آثما أو كفورا، و كلّ عاكف
بأمواتها من أعلام علمائها عتلّا[1] فخورا، و كلّ
زبرج[2] اجري على
صفحات عروشها و جدرانها حرفا و غرورا.
علماؤها ذئاب بل ذباب، و
امراؤها سباع بل كلاب، و نساؤها أبغى من هند البغيّة، و مخدّراتها أزنى من أمّ
زياد سميّة، الابنة في علمائها فاشية، و الدياثة من زعمائها ناشية، إن لامهم لائم
على سوء فعلهم قالوا: «هذا تقدير ربّنا» بكفرهم و جهلهم، أو أنّبهم مؤنّب بفجور
نسائهم قالوا: «هذا ما كتب اللّه على جباههنّ» بكفرهم و ضلالهم، فجدعا[3] لهم و كبّا،
و بؤسا و غبّا.
[1] العتلّ: الشديد الجافي و الفظّ الغليظ من
الناس؛ و قيل: هو الشديد الخصومة.« لسان العرب: 11/ 423- عتل-».