و لمّا علم اللّه صدق
نبيّه، و إخلاص طويّته، ليس له ثان في الخلق، و لم يثنه ثان عن التوجّه إلى الحقّ،
مصباح الظلام إذا العيون هجعت، المتهجّد القوّام إذا الجنوب اضطجعت، المستأنس
بالحقّ إذا الليل سجا، المستوحش من الخلق إذا الغسق دجا، له مع اللّه حالات و
مقامات، و تقلبه في صحائف الاخلاص سمات و علامات، لا يقصد بتهجّده إلّا مولاه، و
لا يرجو بتعبّده إلّا إيّاه، لو لا جدّه لما قام للاسلام عمود، و لو لا علمه لما
عرف العابد من المعبود، اصطفاه سبحانه لنفسه، و أيّده بروح قدسه، و أوجب له عرض
الولاية على جنّه و إنسه، و ساوى بينه و بين الرسول في علمه و حلمه، و طمّه و
رمّه، و جدّه و رسمه، و فضله و حقّه.
و جعل له في قلوب
المؤمنين ودّا، و أمر نبيّه أن يورده من غدير الشرف في الغدير صدرا و وردا، و أن
يثبت له في الأعناق إلى يوم التلاق عقدا و عهدا، و أن يرفع له بالرئاسة العامّة في
الآفاق على الاطلاق شرفا و مجدا.
فقام صلّى اللّه عليه و
آله صادعا بأمر اللّه، منفّذا لحكم اللّه، خاطبا في الغدير على منبر الكرامة،
مخاطبا للجمّ الغفير بفرض الامامة، مبيّنا أمر وصيّه و وليّ عهده، مظهرا شرف صفيّه
و أخصّ الخلق من بعده، راغبا معاطيا طال ما شمخت تعزّزا و كبرا، قاهرا أسى كم
أظهرت لوليّ أمرها عقدا و عذرا، قاطعا أسباب اولي النفاق بمبين وعظه، قامعا هامات
الشقاق بمتين لفظه.
ما أظهر صلّى اللّه عليه
و آله شرفه و ميثاقه في الخطبة إلّا بعد أن أعلى اللّه في الملكوت الأعلى شأنه و
خطبه، و أمر الصافّين الحافّين بالقيام على قدم