إنّ هذه الميزة ( البعد اللا متناهي
للقرآن ) لم تكن أمراً خفياً على بلغاء العرب في صدر الرسالة ، وهذا هو الوليد بن
المغيرة ريحانة العرب ، يشيد بالقرآن ويصفه بقوله :
والله لقد سمعت من محمد كلاماً ما هو من
كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وانّ له لحلاوة ، وانّ عليه لطلاوة ، وانّ أعلاه
لمثمر ، وانّ أسفله لمغدق ، وانّه ليعلو وما يعلى عليه [١].
إنّه سبحانه خصَّ نبيّه بتلك المعجزة
الخالدة ، وما هذا إلاّ لأنّ الدين الخالد يستدعي معجزة خالدة ، ودليلاً وبرهاناً
أبدياً لا يختص بعصر دون عصر ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
وإن جاء بمعاجز ودلائل باهرة لم ترها عيون الأجيال المتعاقبة ولكن عوضهم الله سبحانه
بمعجزة هي كشجرة مثمرة تعطي أُكلها كلّ حين بإذن ربّها ، وينتفع كلّ جيل من ثمارها
حسب حاجاته ، وإلى هذا يشير الإمام علي بن موسى الرضا عليهماالسلام حين سأله السائل ، وقال : ما بال
القرآن لا يزداد عند النشر والدرس إلاّ غضاضة ؟ فقال الإمام : « إنّ الله تعالى لم
يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، فهو في كلّ زمان جديد ، وعند كلّ قوم
غضٌّ إلى يوم القيامة » [٢].
اهتمام المسلمين بالكتاب العزيز
ارتحل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وترك بين الأُمة تركتين ثمينتين ،
إحداهما : الكتاب ، والأُخرى : العترة.
وقد أكبّ المسلمون بعد رحيله على قراءة
القرآن وتجويده وكتابته ونشره بين الأُمم. وأسّسوا علوماً كثيرة خدموا بها القرآن
الكريم ، كما أنّهم وراء ذلك اهتموا
[١] مجمع البيان : ٥
/ ٣٨٧ ، طبع صيدا ، وقد سقط عن النسخة لفظة « عليه » من قوله : « وما يعلى ».
[٢] البرهان في
تفسير القرآن ، للسيد البحراني : ١ / ٢٨.