تعتبر مسألة التوحيد في الطاعة من أهم
مسائله والمراد منه الاعتقاد بأنّه ليس هناك من تجب طاعته بالذات إلاّ الله تعالى
، فهو وحده الذي يجب أن يُطاع وتمتثل أوامره ، وأمّا طاعة غيره فإنّما تجوز إذا
كانت بإذنه وأمره وإلاّ تكون محرمة ، ووجه ذلك هو أنّ الطاعة من شؤون المالكية
والمملوكية ، ومن فروع الربوبية والمربوبية ، فالمالك للوجود بأسره ورب الكون الذي
منه وإليه كل شؤوننا هو الذي يجب أن يُطاع دون سواه ، ولا تعني الطاعة ـ في
الحقيقة ـ سوى أن نضع ما وهبنا من آلاء ونعم بما في ذلك « وجودنا » و « إرادتنا » ـ
في الموضع الذي يرضاه ولا ريب أنّ المروق من هذه الطاعة لا يكون إلاّ ظلماً تقبّحه
العقول السليمة ، وتنفر منه الطباع المستقيمة.
وبعبارة أوضح : أنّ التوحيد في الطاعة
يعد في الحقيقة من شؤون التوحيد في الأفعال.
فعندما نعتقد بأنّه ليس للكون إلاّ خالق
ومنعم واحد وأنّ وجود العالم مستمد من ذلك الخالق المنعم ، في هذه الصورة يتعين
بالضرورة أن نعترف بأنّه ليس في الوجود سوى مطاع واحد هو الذي تجب طاعته دون غيره
، وإلى ذلك يشير قوله سبحانه : (يَا أَيُّهَا
النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَراءُ إِلَىٰ اللهِ واللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ)[١].