وقد ذكر فريق من المفسرين توجيهات
مختلفة للتسبيح ، ولكن أكثرها وإن كانت صحيحة غير أنّها لا ترتبط بالمعنى الحقيقي
للتسبيح ، وسوف نشير فيما يلي إلى جملة من هذه الآراء.
قال أصحاب هذه النظرية : إنّ المراد من
التسبيح هو « التسبيح التكويني » بمعنى أنّ وجود كل موجود حادث يشهد ـ بحدوثه ـ
أنّ له صانعاً خالقاً حتى أنّ وجود المادي الملحد المنكر لله بلسانه ، هو أيضاً ،
يشهد بوجود الخالق الصانع.
بيد أنّ هذا الرأي ـ رغم صحته واستقامته
في حد نفسه ـ لا يمكن أن يكون تفسيراً صحيحاً ومقبولاً للتسبيح ، لما قلناه من
انطواء التسبيح على معنى ( التنزيه ) والتقديس من العيوب والنقائص ، ولا ربط
لدلالة الموجودات على وجود خالق لها بمسألة « التنزيه » و « التقديس » عن العيب
والنقص والشريك.
النظرية الثانية
وتقول هذه النظرية : إنّ المقصود من
التسبيح هو « الخضوع التكويني » الذي يبديه كل واحد من الموجودات الكونية تجاه
مشيئة الله وأمره ، إذ نحن نلمس بالوجدان كيف يخضع كل الوجود بلا استثناء أمام
الإرادة الإلهية ، سواء أكان في تقبل الوجود ، أم في اتّباع السنن الطبيعية التي
قررها وأرساها الله في عالم الكون.
[١] هذه النظرية
إجمال ما سيوافيك في النظرية الثالثة ، ولعل مراد من فسر التسبيح بما في هذه
النظرية ، هو ما سيأتي في ثالثتها من أنّ العالم كما يدل على وجود خالقه يدل على
صفاته من توحيده وعلمه و ... وعلى ذلك تتحد النظريتان.