بحسم الفتنة وقطع
الخلاف. ولو قد كانت الحضارة تقدمت بالمسلمين شيئاً لكان من الممكن أن يحتفظ عثمان
بهذه الصحف التي حرقها على أنها نصوص محفوظة لا تتاح للعامة ، بل لا تكاد تتاح
للخاصة ، وإنما هي صحف تحفظ ضنا بها على الضياع. ولكن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا
في ذلك العصر من الحضارة ما يتيح لهم تنظيم المكتبات وحفظ المحفوظات ، وإذا لم يكن
على عثمان جناح فيما فعل لا من جهة الدين ولا من جهة السياسة ، فقد يكون لنا أن
نأسى لتحريق تلك الصحف ؛ لأنه إن لم يكن قد أضاع على المسلمين شيئاً من دينهم ، فقد
أضاع على العلماء والباحثين كثيراً من العلم بلغات العرب ولهجاتها ، على أن الأمر
أعظم خطرا وأرفع شأنا من علم العلماء ، وبحث الباحثين عن اللغات واللهجات » [١].
ومهما يكن من رأي حول هذا الموضوع ، فإن
من المقطوع به أن المصحف العثماني هو النص القرآني الوحيد الذي عليه عمل المسلمين
في مشارق الأرض ومغاربها ، وهو الكتاب المقدس الوحيد الذي أحيط بعناية ورعاية خاصة
، حتى نقل بالتواتر القطعي جيلا بعد جيل.
ويبدو أن بعض نسخ المصحف العثماني ، قد
كانت معروفة في القرن الثامن الهجري ، فالحافظ ابن كثير ( ت : ٧٧٤ ه ) يقول :
« أما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها
اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله ، وقد
كان قديماً بمدينة طبرية ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ٥١٨ ه ، وقد رأيته كتاباً
عزيزاً جليلاً عظيماً ضخما بخط حسن مبين قوي ، بحبر محكم ، في رق أظنه من جلود
الإبل » [٢].
قال أبو عبد الله الزنجاني : « ومصحف
الشام رآه ابن فضل الله العمري في أواسط القرن الثامن الهجري فهو يقول في وصف مسجد
دمشق : ( وإلى جانبه الأيسر المصحف العثماني ) ويُظن قوياً أن هذا