وقد ذهب ابن جني مذهباً صوتياً فريداً
يربط بين الصوت والفعل تارة ، وبين الصوت والاسم تارة أخرى ، ويبحث علاقة كل منهما
بالأخر علاقة حسية ومادية متجسدة ، فجرس الألفاظ ووقعها فيما يحدثه من أصوات
وأصداء سمعية قد يكون متجانساً ومقارباً لنوعية عنده فيقول :
« فإن كثيرا من هذه اللغة وجدته مضاهياً
بأجراس حروفه أصوات الأفعال التي عبر بها عنها ، ألا تراهم قالوا : قضم في اليابس
، وخضم في الرطب. وذلك لقوة القاف وضعف الخاء ، فجعلوا الصوت الأقوى للفعل الأقوى
، والصوت الأضعف للفعل الأضعف » [١].
وتجده يلائم بين الصوت اللغوي وعلاقته
بصوت الطائر في الاستطالة والقطع ، فالراء مرددة مكررة مستطيلة ، وصوت الجندب
مثلاً مستطيل ، فجعلت له « صرّ » مشددة ، وصوت البازي مثلاً متقطع ، فقطعت الراء
فكانت « صرصر » وذلك ما رآه :
« وكذلك قالوا «صر الجندب » فكرروا
الراء لما هناك من استطالة صوته ، وقالوا « صرصر البازي » لما هناك من تقطيع صوته
» [٢].
وفي هذا المجال فإن ابن جني لا يقف عند
هذا الحد من النظرية والتطبيق ، بل يربط أحياناً بين الأصوات وبين ما سمي به الشيء
، نظراً لمشابهته لذلك الصوت المنطلق من التسمية ، كالبط لصوته ، والواق للصرد
لصوته ، وغاق للغراب لصوته [٣].
وهو بهذا يذهب مذهب من يجد مناسبة ما
بين الصوت والمعنى ، لا سيما عند البلاغيين في التماس علاقة اللفظ بالمعنى ، أو في
الدلالة الحسية للفظ بالمعنى ، وهو من باب تسمية الشيء باسم صوته ، وتلك مقولة
صحيحة في جملة من الأبعاد ، وحقيقة في كثير من المسميات والتسميات.