ثمّ إنّ صاحب المنار فسّر الآية على الوجه الاَوّل وقال: (مثل الذين
كفروا) أي صفتهم في تقليدهم لآبائهم وروَسائهم كمثل الذي لا يسمع إلاّ دعاء
ونداءً، أي كصفة الراعي للبهائم السائمة ينعق ويصيح بها في سوقها إلى المرعى
ودعوتها إلى الماء وجزها عن الحمى، فتجيب دعوته وتنزجر بزجره بما ألفت
من نعاقه بالتكرار. شبّه حالهم بحال الغنم مع الراعي يدعوها فتقبل، ويزجرها
فتنزجر، وهي لا تعقل مما يقول شيئاً، ولا تفهم له معنى وإنّما تسمع أصواتاً تقبل
لبعضها وتدبر للآخر بالتعويد، ولا تعقل سبباً للاِقبال ولا للاِدبار. [1]
يلاحظ عليه: أنّ الآية بصدد ذمهم وانّهم لا يعتنقون الاِيمان ولا يمتثلون
الاَوامر الاِلهية ونواهيها، وعلى ذلك تصبح الآية نوع مدح لهم، لاَنّهم لو كانوا
كالبهائم السائمة يجيبون دعوة النبي كقبولها دعوة الراعي وينزجرون
بزجره(صلى الله عليه وآله وسلم) كانتهائها عن نهي الراعي، فيكون ذلك على خلاف المقصود، فانّ
المقصود بشهادة قوله (صم بكم عمي )انّهم لا يسمعون كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ولا
ينطقون بالحقّ ولا ينظرون إلى آيات الله وانّهم في واد والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في واد آخر.
وأين هم من البهائم السائمة التي تقع تحت يد الراعي فتنتهى بنهيه؟!