إلى غير ذلك
من الآيات التي تنصّ على حرية الإنسان في اختياره خصوصاً فيما يرجع إلى الطاعة
والمعصية.
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة :
إنّه سبحانه « يعلم ما في السماء والأرض
إنّ ذلك في كتاب إنّ ذلك على اللّه يسير » [٤]
وفي ضوء ذلك نعتقد بأنّه سبحانه يعلم أعمارنا وأرزاقنا وما يجري في حياتنا من
الأحداث ، وما نقوم به من الأفعال كما يعلم مواعيد وفاتنا والكلّ موجود في « كتاب
مُبِين ». [٥]
لكن علمه السابق بما يجري في صحيفة
الكون لا يجعل الإنسان مكتوف اليد أمام الملابسات التي حوله ولا يصيره كالريشة في
مهب الريح ، بل هو في الكون محكوم من جهة ومختار من جهة أُخرى ، محكوم بالسنن
العامة السائدة على الكون والحياة ولا يمكن الخروج عنها ، مختار في ما تتعلق به
إرادته وفي موقفه من الملابسات التي حوله.
فالنوازل والمصائب والحروب الطاحنة
تنتابه ، شاء أم لم يشأ والموت يدمّر حياته وكيانه والسموم القتالة تهلكه
والجراثيم الضارية تنحرف بها صحته ، ولكنّه غير مسؤول أمام هذه الأُمور الخارجة عن
اختياره ، ولكنّه أمام نعمه سبحانه والإمكانيات التي حوله أمام خيارين : فله أن
يستفيد منها بما يمد حياته في الدنيا ويسعده في الآخرة كما أنّ له خلاف ذلك. فلو
قلنا : الإنسان مخيَّر لا مسيّّر ، فإنّما
[٤] اقتباس من قوله
سبحانه : (ألم
تعلم أنّ اللّه يعلم ما في السماء ... ) سورة الحج : الاية ٧٠.
[٥] إشارة إلى قوله
سبحانه : (وَيَعْلَمُ
ما في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلاّ يَعْلَمُها وَلا
حَبّة في ظُلُماتِ الأَرْضِ وَلا رَطْب وَلا يابِس اِلاّ في كِتاب مُبين) سورة
الأنعام : الاية ٥٩.
نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 1 صفحه : 236