طبقاتهم وتباين
نزعاتهم ، من بدء الاسلام إلى هذه الغاية من العلماء وغيرهم ، من الشيعة والسنة
وغيرهم ، وأي بلاد من بلاد الاسلام من مصر أو سوريا أو العراق أو الحجاز وهلم جراً
ليس لها جبانة شاسعة الاطراف واسعة الاكناف ، وفيها القبور المشيدة والضرائح
المنجدة؟!
وهؤلاء أئمة
المذاهب : الشافعي في مصر ، وأبو حنيفة في بغداد ، ومالك بالمدينة وتلك قبورهم من
عصرهم الى اليوم سامقة المباني شاهقة القباب ، وأحمد بن حنبل مباءة الوهابية
ومرجعهم في الفروع كان له قبر مشيد في بغداد جرفه شط دجلة حتى قيل : « أطبق البحر
على البحر ». وكل تلك القبور قد شيدت وبنيت في الازمنة التي كانت حافلة بالعلماء
وأرباب الفتوى وزعماء المذاهب ، فما أنكر منهم ناكر ، بل كل منهم محبذ وشاكر.
وليس هذا من خواص الاسلام ، بل هو من
جار في جميع الملل والاديان ، من اليهود والنصارى وغيرهم ، بل هو لعمر الحق من
غرائز البشر ومقتضيات الحضارة والعمران وشارات التمدن والرقي ، والدين القويم
المتكفل بسعادة الدارين إذا كان لايؤكده ويحكمه فما هو بالذي ينقضه ويهدمه ، وإذا
كان كل هذا لايكفي شاهداً قاطعاً ودليلاً بيناً على فساد دعوى الاجماع فخير أن
تكسر الاقلام ويبطل الحجاج والخصام ولا يقول على شيء دليل ولابينة ولاحجة ولابرهان
:
وليس يصح في الاذهان شيء
إذا احتاج النهار الى دليل
هذا حال الاجماع ، اما حديث مسلم : « لا
تدع تمثالاً الا طمسته ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته » فها هي نسخة من صحيح مسلم
بين يدي ، طبع بولاق القديمة سنة ١٢٩٠ ، وقد روى الحديث المزبور صفحة ٢٥٦ ج ١ في
باب الامر بتسوية القبر ، ولكن بعد هذا بقليل صفحة ٢٦٥ قال : ( باب ما يقال عند
دخول القبور والدعاء لأهلها ) وروى فيه بسنده الى عائشة : ان النبي كان يخرج الى
البقيع فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين [٢]
الى الآخر في حديثين طويلين.