نام کتاب : المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي نویسنده : مركز الرسالة جلد : 1 صفحه : 20
فهذه الآية العجيبة بينت لنا أنّ حال
هؤلاء كحال من يريد بنفخة فم إطفاء نور عظيم منبثّ في الآفاق ، ويريد الله تعالى
أن يزيده ويُبلِغَهُ الغاية القُصوى في الإشراق والإضاءة. وفي هذا منتهى التصغير
لهم والتحقير لشأنهم والتضعيف لكيدهم ؛ لاِنَّ نفخة الفم القادرة على إطفاء النور
الضعيف ـ كنور الفانوس ـ لن تقدر على إطفاء نور الإسلام العظيم الساطع.
وهذا من عجائب التعبير القرآني ، ومن
دقائق التصوير الإلهي ، لما فيه من تمثيل فنّي رائع بلغ القمة في البيان ، ولن تجد
له نظيراً قط في غير القرآن.
ثم تابع القرآن الكريم ليبين لنا بعد
هذا المثال ، إرادة الله عزَّ وجل الظهور التام لهذا الدين رغم أنوفهم ، فقال
تعالى : (هُوَ الَّذِي أرْسَلَ
رَسُولَهُ بالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ
كَرِهَ المُشْرِكُونَ)[١].
والمراد بدين الحق هو دين الإسلام
بالضرورة ؛ لقوله تعالى : (وَمَن
يَبْتَغ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهْوُ فِي الآخِرَةِ مِنَ
الخَاسِرِينَ)[٢].
وقوله تعالى : (ليُظهِرَهُ عَلى الَّدينِ كُلَّه) ، أي : لينصره
على جميع الأديان ، والضمير في قوله تعالى : (ليُظهِرَهُ) راجع إلى
دين الحق عند معظم المفسرين وأشهرهم ، وجعلوه هو المتبادر من لفظ الآية.
وهذه بشرى عظيمة من الله تعالى لرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم بنصرة هذا الدين وإعلاء كلمته ، وقد
اقترنت هذه البشرى بالتأكيد على أنّ إرادة أعداء الدين إطفاء نور الإسلام سوف لن
تغلب إرادته تعالى إظهار دينه القويم على سائر الأديان ، ولو كره المشركون.
والإظهار في الآية لا يراد به غير
الغلبة والاستيلاء ، قال الرازي في