قال : ما أنا مخبرك حتى تخبرني ، لم
تسأل عنه ومعنا من أصحاب محمد (ص) عدة غيره ، وكلهم جاد على قتالكم.
فقال عمرو : سمعت رسول الله (ص) يقول :
إن عماراً تقتله الفئة الباغية ، وأنه ليس لعمّار أن يفارق الحق ، ولن تأكل النار
من عمّار شيئاً.
فقال له أبو نوح : لا إله إلا الله
والله أكبر ، والله إنه لفينا ، جادٌّ على قتالكم! ولقد حدثني يوم الجمل أنا سنظهر
على أهل البصرة ، ولقد قال لي أمس أنكم لو ضربتمونا حتى تبلغوا بنا سعفات هجر ،
لعلمنا أنا على الحق وأنكم على الباطل ، ولكانت قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.
قال عمرو : فهل تستطيع أن تجمع بيني
وبينه؟ قال : نعم.
فركب عمرو بن العاص في اثني عشر فارساً
، وركب عمار بن ياسر في اثني عشر فارساً ، فالتقوا حتى اختلفت أعناق الخيل ، خيل
عمار وخيل عمرو ، ونزل القوم واحتبوا بحمائل سيوفهم ، وأراد عمرو بن العاص أن
يتكلم وبدأ بالشهادتين ، فقاطعه عمار وقال له :
اسكت ، فلقد تركتها وأنا أحق بها منك ،
فإن شئت كان خصومةً فيدفع حقنا باطلك ، وإن شئت كانت خطبةً فنحن أعلم بفصل الخطاب
منك ، وإن شئت أخبرتك بكلمةٍ تفصل بيننا وبينك ، وتكفرك قبل القيام ، وتشهد بها
على نفسك ولا تستطيع أن تكذبني فيها.
فقال عمرو : يا أبا اليقظان ، ليس لهذا
جئت ، إنما جئت لأني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم ، أذكرك الله إلا كففت سلاحهم
وحقنت دماءهم ، وحرصت على ذلك ، فعلام تقاتلوننا؟ أو لسنا نعبد إلهاً واحداً ونصلي
إلى قبلتكم وندعو دعوتكم ، ونقرأ كتابكم ، ونؤمن بنبيكم؟!
فقال عمار : الحمد لله الذي أخرجها من
فيك ، إنها لي ولأصحابي ، القبلة والدين وعبادة الرحمان ، والنبي والكتاب من دونك
ودون أصحابك.