فبصُرَ به الحارث بن جمهان الجعفي
والأشتر مقنعٌ في الحديد ، فلم يعرفه ، فدنا منه وقال له : جزاك الله منذ اليوم عن
أمير المؤمنين وعن جماعة المسلمين خيراً ، فعرفه الأشتر ، فقال : يا بن جمهان ،
أمثلك يتخلفُ عن مثل موطني هذا؟ فتأمله أبن جمهان فعرفه ـ وكان الأشتر أعظم الرجال
وأطولهم إلا أن في لحمه خفة قليلة ـ فقال له : جُعِلتُ فداك والله ما علمت مكانك حتى
الساعة ، ولا والله لا أفارقك حتى أموت.
وخطب الأشتر محرضاً أصحابه فقال :
عَضّوا على النواجذ من الأضراس ، واستقبلوا القوم بهَامِكم ، فإن الفِرار من الزحف
فيه ذَهاب العز والغلبة على الفيء وذل الحياة والممات ، وعار الدنيا والآخرة. ثم
حمل على صفوف أهل الشام حتى كشفهم فألحقهم بمضارب معاوية ، وذلك بين العصر
والمغرب.
قتال بجيلة
وكانت راية بجيلة في صفين مع أهل العراق
، كانت في « أحمس » [١]
، مع أبي شداد قيس بن المكشوح الأنماري ، قالت له بجيلة : خذ رايتنا ، فقال : غيري
خير لكم مني! قالوا : لا نريد غيرك ، قال : فوالله لئن أعطيتمونيها لا أنتهي بكم
دون صاحب الترس المذهب ـ وهو عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ـ وكان على رأس معاوية
في خيل عظيمة من أصحاب معاوية. فقالوا : إصنع ما شئت. فأخذها ثم زحف بها وهم حوله
يضربون الناس حتى انتهى إلى صاحب الترس ، فاقتتل الناس هناك قتالاً شديداً ، وشد
أبو شداد بسيفه نحو صاحب الترس ، فتعرض له رومي من دونه لمعاوية فضرب قدَمَ أبي
شداد فقطعها وضرب أبو شداد ذلك الرومي فقتله ، وأسرعت إليه الأسِنة ، فقتل. فأخذ
الراية بعده عبد الله بن قلع الأحمسي وارتجز وقال :