أهل الرأي والدين من
قد رأيت ، وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله (ص) فيك « إنك من خير ذي يمن » إئت
معاوية بكتابي ، فان دخل فيما دخل فيه المسلمون ، وإلا فانبذ إليه ، وأعلمه أني لا
أرضى به أميراً ، وان العامة لا ترضى به خليفة.
فانطلق جرير حتى أتى الشام ، ونزل
بمعاوية ، فلما دخل عليه حمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد يا معاوية فانه قد
اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين ، وأهل الحجاز وأهل اليمن وأهل مصر ،
وأهل العروض ـ عُمان ـ وأهل البحرين واليمامة ، فلم يبق إلا هذه الحصون التي أنت
فيها ولو سال عليها سيل من أوديته لأغرقها ، وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك
إلى مبايعة هذا الرجل ، ثم دفع إليه كتاب علي (ع) وفيه :
كتاب علي لمعاوية
أما بعد : فان بيعتي بالمدينة لزمتكَ
وأنتَ بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بُيعوا
عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ، ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين
والأنصار إذا اجتمعوا على رجل فسمّوهُ إماماً ، كان ذلك لله رضاً ، فان خرج من
أمرهم خارج بطعنٍ أو رغبةٍ ، رَدوه إلى ما خرج منه فان أبى ، قاتلوه على إتباع
سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا ، وان طلحة والزبير
بايعاني ثم نقضا بيعتي فكان نقضهما كرِدّتِهما ، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق
وظهر أمر الله وهم كارهون ، فادخل فيما دخل فيه المسلمون فان أحب الأمور إلي فيك
العافية إلا أن تتعرض للبلاء. فان تعرضت له قاتلتك واستعنت بالله عليك.
وقد أكثرت الكلام في قتلة عثمان ، فأدخل
فيما دخل فيه الناس ، ثم حاكم القوم إليّ أحملك وإياهم على كتاب الله ، فأما تلك
التي تريدها فخدعةُ الصبي عن اللبن ، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ
قريش من دم عثمان.