لقد آمن علي بحقه في الخلافة ، ولكن
أراده حقاً يطلبه الناس ، ولا يسبقهم إلى طلبه. فخبر حقيقة أمرهم بأن رفض البيعة
لنفسه معلناً لهم أنه لا حاجة له في هذا الأمر ، وأنه سيكون في جانب من يختاره
المسلمون ، وبذلك أعطاهم الحرية الكاملة والكافية في الإِختيار وتقرير المصير.
لكن المسلمين كانوا يتوافدون نحوه ،
فيجتمعون على باب داره مثل الجبال ، كتلاً بشريةً هائلةً يدفعها التفاؤل ويقودها
الوثوق ، كل الوثوق بالرجل الذي سيتولى قيادة الأمة في أخطر وأدق مرحلةٍ من مراحل
الدولة الأسلامية.
يجتمعون على باب داره يريدون مبايعته ،
وهو مع ذلك معتصم لا يجيبهم إلى شيء لأنه يريدها بيعةً حرةً صادقة تتجسد فيها آمال
المسلمين ، غير أنهم ألحّوا عليه بإصرارٍ معلنين رفضهم لكل من يتقدم إلى هذا
المنصب سواه ، وقد وضعوه بين اثنتين لا مناص لمسؤول عنهما ولا مهرب له منهما.
الأولى
: أن المسلمين أمسوا لا إمام لهم!
الثانية
: أنهم لا يرون أحداً أحق بالخلافة منه ، وكلا الأمرين يفرضان على الإمام أن يتحمل
مسؤولياته.