لكنه أصر على موقفه الرافض ـ ولعل طريقة
قتلهم للشاة لم تعجبه لأنها منافية لما جاء في الشرايع السماوية من شروط الذبيحة ـ
وبقي ممتنعاً عن الأكل ، وفكر في جوابٍ يرضي به فضولهم ويدفع عنه لائمتهم. فقال
لهم :
« إني غلام ديراني ، والديرانيون لا
يأكلون اللحم! »
ووجد خلاف ما كان يتوقع ، فالذي ظهر أن
القوم يكرهون الأديرة والديرانيين والنصراى أجمعين ، وأنهم وثنيون أو يهود ، فرأوا
وجوده بينهم مدعاةً لتعكير صفو عيشهم شأن ذوي العقول المتحجرة من المتعصبين ،
فنهضوا إليه يؤدبونه.
يقول سلمان : « فضربوني ، وكادوا
يقتلوني! »
فقال أحدهم ـ وكأنه يختبر حقيقة أمره ـ
: أمسكوا عنه حتى يأتيكم الشراب ، فانه لا يشرب. »
«
الـمحنـة »
هذه هي المحنة بدأت تواكب سلمان من جديد
تضعه على المحك ، المحنة التي يبتلي بها الله أصفيائه وأوليائه والمؤمنين ، فقد
ورد في الحديث الشريف « أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأولياء ثم
الأمثل فالأمثل. » وما ذلك إلا ليعرفوا أنفسهم بأنفسهم ويدركوا مقدار ما هم عليه
من الصدق مع الله والإخلاص له ، ولكي يعرف من سواهم أنهم لم يصلوا إلى أعلى
المراتب إلا بالصبر على البلاء والتضحية في سبيل الله.
جاء الشراب ، فقالوا لسلمان : إشرب ،
فأبى ولم يشرب وقال : « إني غلام ديراني والديرانيون لا يشربون الخمر .. »
وهنا لم يجدوا رداً على كلامه إلا
بالضرب ، يقول : « فشدوا علي وأرادوا قتلي! »