نام کتاب : روية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 1 صفحه : 69
الشبهة الثانية : تجلّيه للجبل
إنّ تجلّيه سبحانه للجبل هو رؤية الجبل له ، فلمّا رآه (سبحانه) اندكّت أجزاؤه ، فإذا كان الأمرُ كذلك ثبت أنه تعالى جائز الرؤية ، وأقصى ما في الباب أنْ يقال : الجماد جماد ، والجماد يمتنع أن يَرى شيئاً ، إلاّ أن نقول لا يمتنع أن يقال : إنّه تعالى خلق في ذلك الجبل الحياة والعقل والفهم ثمّ خلق فيه الرؤية متعلّقة بذات الله[1] .
لكن يلاحظ على هذا الكلام : أنّ ما ذكره من رؤية الجبال لله تعالى مع افتراضه الحياة والعقل والفهم للجبل شيء نسجه فكره ، وليس في الآية أيّ دليل عليه ، والحافز إلى هذه الفكرة هو الدفاع عن الموقف المسبق والعقيدة التي وَرِثها ، وظاهر الآية أنّه سبحانه تجلّى للجبل وهو لم يتحمّل تجلّيه لا أنّه رآه وشاهده .
وأمّا التجلّي ، فكما يحتمل أن يكون بالذات كذلك يحتمل أن يكون بالفعل ، فمن لم يتحمّل تجلّيه بفعله وقدرته فالأولى أن لا يتحمّل تجلّيه بذاته ، وعندئذ فمن المحتمل جداً أن يكون تجلّيه بآثاره وقدرته وأفعاله ، فعند ذلك لا يدلّ أنّ تجلّيه للجبل كان بذاته .
أضِفْ إلى ذلك أنّ أقصى ما تُعطيه الآية هو الإشعار بذلك ، لذا لا يمكن التمسك به وطرح الدلائل القاطعة عقلا ونقلا على امتناع رؤيته .
إلى هنا تمّ ما أردناه من دلالة الذكر الحكيم على امتناع الرؤية ، وقد استنطقنا الآيات السالفة بوجه تفصيلي ، وتعرّفت فيه على موقفه من الرؤية بالعيون والأبصار .