السنّة القرآنيّة- في حدود استقصائي- لم أقف على من أثار هذه الدلالة القرآنيّة من علمائنا، فضلًا عن علماء المذاهب الاخرى، ألا وهي استعراض القرآن الكريم للظلامات التاريخيّة ابتداءً من قصّة هابيل وقابيل مروراً بأصحاب الاخدود وقتل الأنبياء، ومظلوميّة النبيّ يوسف عليه السلام وأصحاب الكهف الذين وحّدوا اللَّه بفطرتهم، ولم يكونوا ينتسبون إلى دين من الأديان (كما هو في أحد الآراء التفسيريّة)، وللأسف لم أسمع أحداً من الادباء من أتباع الإماميّة من طرق هذا الباب، وهذا السبق سبق وكنز أدبي، وسبق وكنز قرآني، بل سبق وكنز تربوي، واجتماعي، وأيضاً وسبق ومنبع اعتقادي، وهو وجود أدب الرثاء والندبة والعزاء في القرآن الكريم، وللأسف لم يثر مفسّرو الإماميّة هذا الباب، وهو باب أدب الرثاء مع أنّ القرآن الكريم يحمل الاسلوب الرثائي بطريقة عاطفيّة جيّاشة، وهذا الباب- أدب الرثاء- يقف إلى جانب أدب الحكم والمواعظ والأمثال والوعيد والبشارة.

والرثاء في القرآن الكريم باسلوب عاطفي جيّاش يهدف إلى إيصال المستمع عن طريق القرآن إلى التضامن مع المظلوم والتنديد بالظلم والظالمين، ولو حلّلنا سورة البروج في موضوع أصحاب الاخدود، وحلّلنا قصّة هابيل وقابيل لرأينا أنّ الآيات المباركة في استعراضها تلك القصص كانت في منتهى الإثارة العاطفيّة للقارئ، وهذا ليس أدب رثاء فقط، بل هو استذكار للماضي، وكلّ ختمة نختمها من القرآن الكريم تنطوي على العديد من المراثي والندب لسلسلة الظلامات والمظلومين في أعماق التاريخ البشري والأدياني والذي يعيدنا إلى الآلام والمحن التي مرّت بها الامم السابقة، وكلّ ذلك لأجل فتح الملفات التاريخيّة، ومن الملفّات التي فتحها القرآن الكريم الملفّات التاريخيّة المتعلّقة بالأحداث في عصر النبيّ صلى الله عليه و آله وأحوال الصحابة، فنرى أنّ القرآن الكريم يفتح هذه الملفات ويصنّف المحيطين بالنبيّ صلى الله عليه و آله، ويصفهم بأوصاف إيجابيّة وسلبيّة بدرجات مختلفة، فيصف بعضهم بالمنافقين والمرجفين في المدينة والمعوّقين والمبطئين والمتخلّفين، ويصف البعض الآخر بأوصاف