نام کتاب : تفسير ملاحم المحكمات نویسنده : السند، الشيخ محمد جلد : 1 صفحه : 250
ومن ذلك يتبيّن أنّ هذا ليس مختصّاً بالفضائل والمكارم، بل يعمّ
المعارف والعقائد أيضاً، فإنّ قسماً وافراً من المعتقدات الحقّة البرهانيّة
والقرآنيّة لا يتحمّل إدراكها عموم الناس، بل لا يتحمّلون سماعها، فضلًا عن
الإذعان بها، وكذلك الحال في بعض مندوبات الفضائل والمكارم، فإنّ سماعها من
العامّة يوجب شيوع الفساد في أعمالهم بدل الصلاح والإصلاح.
ومن ذلك يتبيّن أنّ ما أورده القرطبي خلط بين الفضيلة الخاصّة
والفضيلة العامّة، والغريب منه أنّه ناقض نفسه فيما ذكره في ذيل اّية في سورة
الحشر حيث ذكر ما روته العامّة من رواية في إيثار عائشة وابن عمر وعمر بن الخطّاب
وأبي عبيدة الجرّاح، ومعاذ بن جبل، فقال: «فإن قيل: وردت أخبار صحيحة في النهي عن
التصدّق بجميع ما يملكه المرء، قيل له: إنّما كره ذلك في حقّ مَن لا يوثق منه
الصبر على الفقر وخاف أن يتعرّض للمسألة إذا فقد ما ينفقه، فأمّا الأنصار الذين
أثنى اللَّه عليهم بالإيثار على أنفسهم فلم يكونوا بهذه الصفة، بل كانوا كما قال
اللَّه تعالى: (وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ
الْبَأْسِ)[1]، وكان الإيثار فيهم أفضل من الإمساك، والإمساك
لمن لا يصبر ويتعرّض للمسألة أوْلى من الإيثار».
وقال قبل ذلك أيضاً: «الإيثار هو تقديم الغير على النفس وحظوظها
الدنياويّة ورغبة في الحظوظ الدينيّة، وذلك ينشأ من قوّة اليقين وتوكيد المحبّة
والصبر على المشقّة».
وقال أيضاً: «والإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال، وإن عاد إلى
النفس، وفي عبارات الصوفيّة الرشيقة في حدّ المحبّة أنّها الإيثار وأفضل الجود
بالنفس