أحنف لقد أغضيت العين على القذى وقلت ما ترى، وأيم اللّه لتصعدن في المنبر فتلعنه طوعاً أو كرهاً. فقال له الاَحنف: يا أمير الموَمنين إن تعفني فهو خير لك وإن تجبرني على ذلك فواللّه لا تجري فيه شفتاي أبداً. قال: قم فاصعد المنبر. قال الاَحنف: أما واللّه مع ذلك لاَنصفنّك في القول والفعل، قال: وما أنت قائل يا أحنف إن انصفتني؟ قال: اصعد المنبر فأحمد اللّه بما هو أهله وأصلّـي على نبيّه - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - ثم أقول: أيها الناس إنّ أمير الموَمنين معاوية أمرني أن ألعن علياً وإنّ علياً ومعاوية اختلفا فاقتتلا وادّعى كل واحد منهما أنّه بغي عليه وعلى فئته، فإذا دعوت فأمّنوا رحمكم اللّه، ثم أقول:
روي عن هشام بن عُقبة أخي ذي الرُّمّة الشاعر المشهور ، قال: شهدت الاَحنف بن قيس وقد جاء إلى قومٍ في دم، فتكلّم فيه، وقال: احتكِموا. قالوا: نحتكم دِيَتَيْن، قال: ذاك لكم. فلمّـا سكتوا قال: أنا أُعطيكم ما سألتم، فاسمعوا: إنّ اللّه قضى بديةٍ واحدةٍ، وإنّ النبيّ - صلّى اللّه عليه وآله وسلّم - قضى بديةٍ واحدة، وإنّ العرب تعاطى بينها ديةً واحدة، وأنتم اليوم تطالبون، وأخشى أن تكونوا غداً مطلوبين، فلا ترضى الناس منكم إلاّ بمثل ما سننتم، قالوا: رُدَّها إلى دية.