أقول: أمّا الأوّل: أعني: تشريع بيع السلم، فلم يكن منهياً عنه حتّى يرخّص النبي (صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم) فيه، و ذلك لأنّ المنهي عنه هو قوله: «و لا بيع ما ليس عندك» [1]، و هو ناظر إلى بيع العين الشخصية الّتي ليست في ملك البائع و إنّما يبيعها فضوليّاً ليشتريها من غيره ثمّ يدفعها إليه، و أين هذا من بيع السلم؟!
فإنّ السلم عبارة عن ابتياع مال مضمون في ذمّة البائع إلى أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه، و المبيع كلّي في ذمّته لا عين شخصيّة.
و لذلك اشترط الفقهاء فيه أُموراً منها ذكر الجنس و الوصف، لأنّه يختلف لأجلهما الثمن، بخلاف العين الشخصية فإنّها محسوسة مشاهدة.
يقول ابن عباس: اشهد انّ السلف المضمون إلى أجل مسمّى قد أحلّه اللّه في كتابه و أذن فيه، ثمّ قرأ قوله سبحانه: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) [2]. [3]
و بذلك يعلم أنّ عقد الاستصناع- هو عقد مقابل مع أهل الصنعة على أن يعمل شيئاً- لا صلة له بالنهي عن بيع ما ليس عندك.
و قد صرّح بما ذكرنا بعض فقهاء السنّة منهم:
ابن تيمية حيث قال: و أمّا قولهم «السلم على خلاف القياس» فقولهم هذا من جنس ما رووا عن النبي (صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم) أنّه قال: «لا تبع ما ليس عندك» و أرخص في السلم. و هذا لم يرو في الحديث، و إنّما هو من كلام بعض الفقهاء، و ذلك أنّهم قالوا: السلم بيع الإنسان ما ليس عنده، فيكون مخالفاً للقياس.
[1]. بلوغ المرام: 815 برقم 820. قال: و رواه الخمسة، و روي أيضاً: «و لا تبع».