وفي قوله: (إِنّا لَقادِرُون) التفات [1] من الغيبة إلى التكلم مع الغير، والوجه
فيه الاِشارة إلى العظمة المناسبة لذكر القدرة، وفي ذكر ربوبيته للمشارق
والمغارب إشارة إلى تعليل القدرة ،وهو أنّ الذي ينتهي إليه تدبير الحوادث في
تكوّنها لا يعجزه شيء من الحوادث التي هي أفعاله، عن شيء منها، ولا يمنعه
شيء من خلقه من أن يبدله بخير منه، وإلاّ شاركه المانع في أمر التدبير، واللّه
سبحانه لا شريك له في أمر التدبير. [2]
وأمّا الآية الثالثة: فلما ذكر سبحانه الوعد والوعيد والبعث والنشور أردفه
بقول منكر البعث ورد عليهم بأوضح بيان وأجلى برهان، وقال: (أوَ لا يَذْكُرُ
الاِِنْسانُأَنّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً)[3] والمراد أو لا يذكر أنّالنشأة الاَُولى
دليل على إمكان النشأة الثانية، ثمّ أكده بقوله: «فوربك» يا محمد «لنحشرنّهم
والشياطين» أي لنجمعنهم ولنبعثنهم من قبورهم مقرنين بأوليائهم من الشياطين.
[1] الالتفات في علم البيان عبارة عن الانتقال من الغيبة إلى الخطاب ومن
الخطابإلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم كما في قوله سبحانه: (مالِكِ يَوم
الدِّين*إِيّاكَ نَعْبُد) وقوله سبحانه: (حَتّى إِذا كُنْتُمْ في الفلك و جرين بهم) وقوله
سبحانه: (وَاللّهُ الذي أَرسل الرياح فتثير سَحاباً فَسُقْناهُ) ففي الآية الاَُولى عدول
من الغيبة إلى الخطاب، وفي الثانية من الخطاب إلى الغيبة، وفي الثالثة من الغيبة
إلى التكلم. [2] الميزان: 20|22. [3] مريم:67. [4] الحجر:91. [5] الحجر:90.