واعلم أنّ إيجاب المعاد يتوقف على هذه المسألة [1] ولأجل ذلك صدّرها في أول المقصد، وقد اختلف الناس في ذلك، وأطبق الملّيون عليه، وخالف فيه الأوائل واحتج المليون بالعقل والسمع:
أمّا العقل فنقول: العالم المماثل لهذا العالم ممكن الوجود لأن هذا العالم ممكن الوجود وحكم المثلين واحد، فلمّا كان هذا العالم ممكناً وجب الحكم على الآخر بالإمكان، وإلى هذا البرهان أشار بقوله حكم المثلين واحد.
[1] إثبات المعاد لا يتوقف على مسألة إمكان عالم آخر، مثل هذا العالم بعينه من الأفلاك التسعة والكرات الأربع، بل يتوقف على إثبات مكان للحشر والنشر، والجنّة والنار، وظاهر الكتاب الكريم أنّ العالم الثاني يتحقق بتدمير العالم الفعلي فيحدث عالم جديد. قال سبحانه: (يومَ نَطوي السَّماءَ كطَيِّ السِّجلِّ للكتُبِ كَما بَدأْنا أوّلَ خَلق نُعيدُهُ وَعْداً علَينا إنّا كُنّا فاعِلين) (الأنبياء : 104) إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على فناء الدنيا وحدوث عالم جديد، وعلى ذلك يسقط كثير من الأدلة التي أقاموها على امتناع خلق عالم آخر، لأنّها مبنيّة على حدوث عالم آخر في عرض هذا العالم وتشابههما في عامة الخصوصيات، وأساس الوهم تصور امتناع الخرق والالتيام في الأفلاك التسعة الذي بنوا عليه كثيراً من المسائل العقلية المخالفة للوحي.