وَ كَمْ بَيْنَ الْمُنَادِي مِنْ بَعِيدٍ
وَ مَنْ يَغْشَى الْحُرُوبَ بِكُلِّ عَضْبٍ
وَ مَنْ يُرِدِ الْبَقَاءَ وَ مَنْ يُلَاقِي
بِإِسْمَاحِ الطِّعَانِ وَ صَفْحِ ضَرْبٍ
أَ يَهْجُرُنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ حَرْبٍ
وَ مَا هِجْرَانُهُ سُخْطاً لِرَبِّي
وَ عَمْرٌو إِنْ يُفَارِقْنِي بِقَوْلٍ
فَإِنَّ ذِرَاعَهُ بِالْغَدْرِ رَحْبٌ[1]
وَ إِنِّي إِنْ أُفَارِقْهُمْ بِدِينِي
لَفِي سَعَةٍ إِلَى شَرْقٍ وَ غَرْبٍ.
وَ بَرَزَ يَوْمَئِذٍ عُرْوَةُ بْنُ دَاوُدَ الدِّمَشْقِيُ[2] فَقَالَ: إِنْ كَانَ مُعَاوِيَةُ كَرِهَ مُبَارَزَتَكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ فَهَلُمَّ إِلَيَّ فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: ذَرْ هَذَا الْكَلْبَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكَ بِخَطَرٍ[3] فَقَالَ: «وَ اللَّهِ مَا مُعَاوِيَةُ الْيَوْمَ بِأَغْيَظَ لِي مِنْهُ دَعُونِي وَ إِيَّاهُ» ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ سَقْطَةُ إِحْدَاهُمَا يَمْنَةً وَ الْأُخْرَى يَسْرَةً فَارْتَجَّ الْعَسْكَرَانِ لِهَوْلِ الضَّرْبَةِ ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ يَا عُرْوَةُ فَأَخْبِرْ قَوْمَكَ.
أَمَا وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَقَدْ عَايَنْتَ النَّارَ وَ أَصْبَحْتَ مِنَ النَّادِمِينَ.» وَ قَالَ ابْنُ عَمٍّ لِعُرْوَةَ وَا سُوءَ صَبَاحَاهْ قَبَّحَ اللَّهُ الْبَقَاءَ بَعْدَ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ:
فَقَدَتْ عُرْوَةَ الْأَرَامِلُ وَ الْأَيْتَامُ
يَوْمَ الْكَرِيهَةِ الشَّنْعَاءِ[4]
كَانَ لَا يَشْتُمُ الْجَلِيسَ وَ لَا يَنْكُلُ
يَوْمَ الْعَظِيمَةِ النَّكْبَاءِ[5]
آمَنَ اللَّهُ مِنْ عَدِيٍّ وَ مِنِ ابْنِ
أَبِي طَالِبٍ وَ مِنْ عَلْيَاءَ
يَا لَعَيْنِي أَلَّا بَكَتْ عُرْوَةَ الْأَقْوَامُ
يَوْمَ الْعَجَاجِ وَ التَّرْبَاءِ[6]
[1] الذراع أنثى، و قد تذكر. و في البيت إقواء.
[2] ح (2: 300): «أبو داود عروة بن داود العامرى».
[3] في اللسان: «و هذا خطير لهذا و خطر له، أي مثل له في القدر».
[4] في الأصل: «الشغباء» تحريف. و المقطوعة لم ترد في ح.
[5] نكل، كضرب و نصر و علم، نكولا: نكص و جبن.
[6] كلمة «الأقوام» بمثلها يتم البيت، و ليست في الأصل. و الترباء، إحدى لغات التراب، و هي إحدى عشرة لغة.