وَ الرِّفْقُ فِيمَا قَدْ تُرِيدُ[1] أَبْلَغُ
الْيَوْمَ شُغْلٌ وَ غَداً لَا تَفْرُغُ.
فَرَجَعَ الْأَصْبَغُ وَ قَدْ خَضَبَ سَيْفَهُ دَماً وَ رُمْحَهُ وَ كَانَ شَيْخاً نَاسِكاً عَابِداً وَ كَانَ إِذَا لَقِيَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً يَغْمِدُ سَيْفَهُ وَ كَانَ مِنْ ذَخَائِرِ عَلِيٍّ مِمَّنْ قَدْ بَايَعَهُ عَلَى الْمَوْتِ وَ كَانَ مِنْ فُرْسَانِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَ كَانَ عَلِيٌّ ع يَضِنُّ بِهِ عَلَى الْحَرْبِ وَ الْقِتَالِ.
وَ قَالَ: وَ كَانُوا قَدْ ثَقَّلُوا عَنِ الْبِرَازِ حِينَ عَضَّتْهُمُ الْحَرْبُ فَقَالَ الْأَشْتَرُ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ أَ مَا مِنْ رَجُلٍ يَشْرِي نَفْسَهُ لِلَّهِ فَخَرَجَ أُثَالُ بْنُ حَجَلٍ فَنَادَى بَيْنَ الْعَسْكَرَيْنِ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَدَعَا مُعَاوِيَةُ حَجَلًا فَقَالَ دُونَكَ الرَّجُلَ وَ كَانَا مُسْتَبْصِرَيْنِ فِي رَأْيِهِمَا فَبَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ فَبَدَرَهُ الشَّيْخُ بِطَعْنَةٍ فَطَعَنَهُ الْغُلَامُ وَ انْتَمَى[2] فَإِذَا هُوَ ابْنُهُ فَنَزَلَا فَاعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَ بَكَيَا فَقَالَ لَهُ الْأَبُ: أَيْ أُثَالُ هَلُمَّ إِلَى الدُّنْيَا. فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ يَا أَبَتِ هَلُمَّ إِلَى الْآخِرَةِ وَ اللَّهِ يَا أَبَتِ لَوْ كَانَ مِنْ رَأْيِي الِانْصِرَافُ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ لَوَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَأْيِكَ لِي أَنْ تَنْهَانِي وَا سَوْأَتَاهْ[3] فَمَا ذَا أَقُولُ لِعَلِيٍّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ كُنْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَ أَنَا أَكُونُ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ.
وَ انْصَرَفَ حَجَلٌ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ وَ انْصَرَفَ أُثَالٌ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ فَخَبَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْحَابَهُ وَ قَالَ فِي ذَلِكَ حَجَلٌ:
إِنَّ حَجَلَ بْنَ عَامِرٍ وَ أُثَالًا
أَصْبَحَا يُضْرَبَانِ فِي الْأَمْثَالِ
أَقْبَلَ الْفَارِسُ الْمُدَجَّجُ فِي النَّقْعِ
أُثَالٌ يَدْعُو يُرِيدُ نِزَالِي
دُونَ أَهْلِ الْعِرَاقِ يَخْطِرُ كَالْفَحْلِ
عَلَى ظَهْرِ هَيْكَلٍ ذَيَّالِ
[1] في الأصل: «قديدين» صوابه في ح (2: 296).
[2] انتمى: انتسب. و في ح: «و انتسبا».
[3] في الأصل: «وا سوأتنا» و أثبت ما في ح.