الْعِبَادُ الصَّادِقُونَ فِيمَا مَضَى وَ مَنْ نَسِيَ الدُّنْيَا نِسْيَانَ الْآخِرَةِ يَجِدْ بَيْنَهُمَا بَوْناً بَعِيداً وَ اعْلَمْ يَا مُعَاوِيَةُ أَنَّكَ قَدِ ادَّعَيْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ لَا فِي الْقِدَمِ وَ لَا فِي الْوَلَايَةِ[1] وَ لَسْتَ تَقُولُ فِيهِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ تَعْرِفُ لَكَ بِهِ أَثَرَهُ وَ لَا لَكَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَ لَا عَهْدٌ تَدَّعِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا انْقَشَعَتْ عَنْكَ جَلَابِيْبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَا أَبْهَجَتْ بِزِينَتِهَا[2] وَ رَكَنْتَ إِلَى لَذَّتِهَا وَ خُلِّيَ فِيهَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوٍّ جَاهِدٍ مُلِحٍّ مَعَ مَا عَرَضَ فِي نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَا قَدْ دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا وَ قَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا وَ أَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ[3] وَ خُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لَا يَجُنُّكَ مِنْهُ مِجَنٌ[4] وَ مَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةً لِلرَّعِيَّةِ أَوْ وُلَاةً لِأَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَمٍ حَسَنٍ وَ لَا شَرَفٍ سَابِقٍ عَلَى قَوْمِكُمْ فَشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ وَ لَا تُمَكِّنِ الشَّيْطَانَ مِنْ بُغْيَتِهِ فِيكَ مَعَ أَنِّي أَعْرِفُ أَنَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ صَادِقَانِ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَابِقِ الشَّقَاءِ وَ إِلَّا تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلَكَ مِنْ نَفْسِكَ[5] فَإِنَّكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ مِنْكَ الشَّيْطَانُ مَأْخَذَهُ فَجَرَى مِنْكَ مَجْرَى الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ وَ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَوْ كَانَ إِلَى النَّاسِ أَوْ بِأَيْدِيهِمْ لَحَسَدُونَا وَ امْتَنُّوا بِهِ عَلَيْنَا وَ لَكِنَّهُ
[1] انظر ما سبق في التنبيه الأول ص 102.
[2] في اللسان:« أبهجت الأرض: بهج نباتها». و في الأصل:« انتهت» تحريف.
و في ح( 3: 410):« تبهجت» قال ابن أبي الحديد:« و تبهجت بزينتها: صارت ذات بهجة». و لم أجد هذه الصيغة في المعاجم.
[3] القعس: التأخر و الرجوع إلى الخلف، كما في اللسان. و في الأصل:« فايس من هذا الأمر« صوابه في ح( 3: 409).
[4] رواه ح:« ما لا ينجيك منه منج»، و قال:« و يروى: و لا ينجيك مجن. و هو الترس: و الرواية الأولى أصح».
[5] ح:« ما أغفلت».