ولو نظر الواضع
في الصنفين إلى وقوعهما مركبين ، لكانا معربين في نظره ، فلم يجز أن يصوغهما على
أقل من ثلاثة أحرف ، لأنك لا تجد معربا على أقل من ثلاثة أحرف إلا وقد حذف منه شيء
، كيد ، ودم وقد صاغ كثيرا منهما [٣] على حرفين ، كنخ ، وجه ، وبا ، وتا ، وثا ، وإنما صاغ
على أقل من ثلاثة ما كان يعرف أنه يكون في التركيب مشابها للحرف ، كما ، ومن ،
وتاء الضمير ، وكافه ، فعلم أنه يبنى لثبوت علته فجوز بناءه على أقل من ثلاثة.
ثم نقول : لا
يلزم الكسائي والفراء ما ألزما في ترافع المبتدأ والخبر ، من أنه يجب تقدم كل واحد
من المبتدأ والخبر على الآخر لأنه يجب تقديم العامل على المعمول ، فيلزم تقدم
الشيء على نفسه ، لأن المتقدم على المتقدم على الشيء متقدم على ذلك الشيء.
وإنما لم
يلزمهما ذلك ، لأن العامل النحوي ليس مؤثرا في الحقيقة ، حتى يلزم تقدمه على أثره
، بل هو علامة كما مر ؛ ولو أوجبنا أيضا تقدمه لكونه كالسبب كما مرّ ، قلنا : إن
كل واحد من المبتدأ والخبر متقدم على صاحبه من وجه ، متأخر عنه من وجه آخر ، فإذا
اختلفت الجهتان ، فلا دور : أما تقدم المبتدأ فلأن حق المنسوب أن يكون تابعا
للمنسوب إليه وفرعا له ، وأما تقدم الخبر فلأنه محط الفائدة وهو المقصود من الجملة
،
[١] هذا أحد أشطار
ثلاثة لأبي النجم العجلي. وقبله :
أقبلت من عند زياد كالخرف
تخط رجلاي بخط مختلف ...
وزياد : صديق لأبي النجم كان يسقيه
الخمر.
[٢] فكأنه قال لاما
وألفا ، وقيل انه قصد صورة «لا» وقيل أراد حروف المعجم وذكر منها اللام والألف على
سبيل المثال.
[٣] أي من النوعين
اللذين تحدث عنهما ، وهما أسماء الأصوات وحروف المعجم.