وأما قولهم :
إن قلّة نحو : زيد اضربه ، ولا تضربه بالرفع لمناقضة الخبر الذي هو محتمل للصدق
والكذب لهذه الثلاثة الطلبية التي لا تحتملها إلا بتأويل بعيد مخرج [١] للأمر والنهي والدعاء عن حقيقتها كقولك في زيد اضربه :
زيد أطلب منك ضربه ؛ فمنقوض [٢] بأنه يكثر في الجملة الاسمية تصدرها بما يخرجها عن
كونها خبرية ، مع أنه يسمى بها الخبر خبر المبتدأ ، نحو : أزيد منطلق؟ وليتك عندنا
، وكذا يكثر : زيد من أبوه ، وعمرو هل ضربته ، وزيد ليتك قتلته ؛ ولا يجب في خبر
المبتدأ احتماله للصدق والكذب ، وإنما سمّي خبرا اصطلاحيا ، كما أن الفاعل سمّي به
[٣] فاعلا ، ولم يصدر الفعل منه في بعض المواضع.
فنقول : لما
كان الطلب من قرائن النصب كما ذكرنا ، و «أمّا» ليست من قرائن الرفع ، كما بيّنا ،
بقي التعارض في : أما زيد فاضربه ، بين الطلب ، وأصالة السلامة من الحذف والتقدير
، وترجيح الطلب لكثرة استعمال الحذف والتقدير في كلامهم ، وقلة استعمال الطلبية
اسمية ، مع إمكان جعلها فعلية بمجرد تغيير إعراب.
وأما «إذا»
المفاجأة ، فهي في ضعف الاستئناف بعدها مثل حتى ، ولهذا لا تقع في صدر كلام من دون
أن يتقدمها شيء ، كما تقع «أمّا» لكن النحاة قالوا : إنها إذا جامعت حرفا عاطفا
على الجملة الفعلية ، فهي غالبة على العطف ، بمعنى أن الرفع ، إذن ، أولى من النصب
مع جواز النصب ، نحو : قام زيد وإذا بكر يضربه عمرو.
وفيما قالوا
نظر ، وذلك أنهم اتفقوا على أنها لا تجيء بعدها إلا الاسمية ، فرقا بينها وبين «إذا»
الشرطية من أول الأمر ، فقياس هذا وجوب الرفع بعدها مع مجيئها بعد العاطف ؛ بلى ،
لو سمع نصب ما بعدها مع العاطف المذكور ، لكان لهم أن يقولوا : خالفت أصلها في هذا
الموضع الخاص رعاية للتناسب المطلوب عندهم ، وفي غير هذا الموضع يجب
[١] صفة لتأويل وقوله
بعد ذلك كقولك في : زيد اضربه ... الخ بيان لهذا التأويل البعيد.